عاد نورالدين الطبوبي، الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل، إلى التصعيد في خطابه مع الحكومة التونسية بعد فترة من التهدئة مع الرئيس قيس سعيد وتفهم للوضع الذي تعيشه تونس في هذه المرحلة الانتقالية الصعبة. وأعلن الطبوبي الأربعاء معارضته للإصلاحات الاقتصادية "المؤلمة" التي تطالب بها الجهات الدولية المانحة. وقال إن “الشركات العامة ليست للبيع والقطاع العام خط أحمر.. الإصلاحات الموجعة انسوها” ودعا إلى زيادة الأجور في العام الجاري والعام المقبل. واعتبرت أوساط سياسية تونسية مطلعة أن لجوء الطبوبي إلى التصعيد في خطابه أمر معهود، وأن الهدف هو تحصيل مكاسب جديدة وعلى رأسها نيل اهتمام دائم من الرئيس سعيد، والظهور بمظهر الرجل الفاعل في المشهد السياسي كما كان يفعل في سنوات ماضية، حيث كانت الحكومات تستشيره في مختلف التفاصيل وتتجنب غضب الاتحاد. وأشارت الأوساط السياسية التونسية إلى أن قيس سعيد، الذي سبق وأن أكد أن العلاقة مع اتحاد الشغل جيدة، لا يريد أن يجعل نفسه رهينة أيّ شخص أو تحالف سياسي أو اجتماعي، وأنه يعالج الأزمات بنفسه وبشكل يومي، ولا يقبل أن يتدخل أيّ شخص أيّا كان في مجال عمله، وهو ما يتعارض مع الدور الذي يريد أن يلعبه الطبوبي واتحاد الشغل من خلال التدخل في ضبط التوجهات الحكومية. وقالت هذه الأوساط إن قيس سعيد شخص مختلف تماما عمّن سبقوه، وهو لن يقبل بأيّ ضغوط بشأن إعادة الاتحاد إلى ما كان يلعبه في السابق إذا كان ذلك سيقود إلى تعطيل صلاحياته أو عرقلة خطته لإصلاح النظام السياسي، أو الدفع نحو حوار وطني استعراضي من أجل البحث للاتحاد عن دور. قيس سعيد، الذي سبق وأن أكد أن العلاقة مع اتحاد الشغل جيدة، لا يريد أن يجعل نفسه رهينة أي شخص أو تحالف سياسي أو اجتماعي وتساءلت عن السبب الذي يجعل أمين عام اتحاد الشغل يطلق تهديدات باتجاه الحكومة من نوع “إذا أردتم المعارك فنحن لها”، في وقت لا يحتاج إلى مزايدة بل إلى شراكة اجتماعية لإخراج تونس من وضعها الصعب، مشددة على أن الطبوبي ما يزال يقرأ حساب التوازنات داخل المنظمة النقابية بالرغم من عقد المؤتمر واختياره للمرة الثانية أمينا عاما. وأرسل الطبوبي بعد إعادة انتخابه على رأس المنظمة لدورة جديدة، إشارات واضحة على تغير موقفه سياسيا في اتجاه الاقتراب أكثر من الرئيس سعيد ومسار الخامس والعشرين من يوليو، واجتماعيا في اتجاه التهدئة وإظهار دعمه لمسار الإصلاحات الاقتصادية وتشجيع الاستثمار. ودعا في تصريحات للتلفزيون الرسمي القوى السّياسية المعارضة لإجراءات قيس سعيّد إلى “مراجعة مواقفها والتنازل عن طلباتها بعودة البرلمان من أجل مصلحة البلاد”، مشددا على أن “البرلمان المعلقة أعماله بات من الماضي”. كما أبدى تفهما لحاجة تونس إلى إصلاحات اقتصادية، وذلك في تصريحات له بعد لقاء موسّع بين الاتحاد والحكومة بحضور رئيسة الحكومة نجلاء بودن، ما فهم منه أن الاتحاد بعد أن أنهى مؤتمره واختار قيادة جديدة يتجه إلى منح الحكومة فرصة لإجراء الإصلاحات الضرورية. وقال الطبوبي عقب اللقاء إنه “لا يمكن التقدّم بوضع البلاد دون تحقيق استقرار سياسي وخلق مناخ إيجابي لجلب الاستثمار، والتفاوض والحوار هما سبيلا الخروج من الأزمة”، وإن “الاتحاد منفتح على كل الإصلاحات خاصة أن الوضع الاجتماعي والاقتصادي لا يحتمل التأخير”. ويعتقد مراقبون تونسيون أن إعلان الطبوبي من جديد اعتراضه على الإصلاحات الاقتصادية التي تطلبها المؤسسات المالية الدولية كخطوة ضرورية لتمكين تونس من التمويل اللازم فيه إشارة واضحة إلى أن الاتحاد يريد أن يكون شريكا في إصلاح المؤسسات الحكومية ويرفض التخفيض في أعداد الموظفين بها لأن ذلك يمس من مكاسبه وعائداته المالية، وأن قيس سعيد لم يمنحه صفة الشريك في الإصلاحات. Thumbnail ويرى المراقبون أن الطبوبي يختبر بتصريحاته الجديدة صبر قيس سعيد، وهل أنه سيضطر إلى تقديم التنازلات كما فعل رؤساء حكومات سابقون للحفاظ على الاتحاد في صفه، أم أنه سيستمر في تنفيذ الإصلاحات كونها شأنا خاصا برئاسة الجمهورية وبالحكومة ولا دخل للاتحاد فيها، وهو الأمر الأقرب. وقال الطبوبي في أول خطاب منذ إعادة انتخابه أمينا عاما للاتحاد هذا الشهر “إذا كنتم تريدون الجلوس للنقاش من أجل إصلاحات عادلة.. نقول لكم رؤيتنا لإصلاح شامل وعميق أساسه العدالة الاجتماعية من خلال العدالة الضريبية”. وحذر من “استهانة الحكومة بالقوة الاجتماعية.. إنها جاهزة للدفاع عن تونس أولا والاتحاد ثانيا”. ويقول الاتحاد العام التونسي للشغل إن لديه أكثر من مليون عضو وتمكن من قبل من وقف عجلة الاقتصاد بإضرابات عمالية مما أجبر الحكومة على التخلي عن سياسات سابقة. وقال مقرضون أجانب إنهم لن يعتبروا أن الإصلاحات التي يعلنها مفاوضون تونسيون من أجل التوصل إلى اتفاق للحصول على قرض من صندوق النقد الدولي ذات مصداقية إلا إذا حظيت بتأييد اتحاد الشغل، ومنظمة أرباب العمل، ومنظمات اجتماعية أخرى. ويعتبر التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي ضروريا لفتح الباب لمساعدات مالية ثنائية أخرى محتملة من جهات مانحة ومقرضين ساعدوا تونس من قبل في السنوات الماضية.
مشاركة :