جميل أن نجد من بيننا من يفكر في المستقبل العربي بطريقة استشرافية وإيجابية. فعرب الراهن قد انتقلوا في بعض المناطق من الظاهرة الصوتية الى الظاهرة الوحشية، فأصبح القتل والتدمير والتخوين سمات بارزة في الصراع الدائر بدون تعقل. فعواصم الخلافتين الأموية والعباسية كل واحدة منهما تئن من أوجاع تدخل الفرس وفتنتهم الطائفية، ومع هذا هناك من بني جلدتنا من لم يقرأ التاريخ أو يتدبر عظاته. إنها المعضة الكبرى التي تعيشها أمتنا الآن، ولخص حلها الأمير خالد الفيصل بقوله «إن أكثر ما يحتاج إليه العرب هو العقل والفكر والتدبر في أمورهم بعقلية صافية خالية من العواطف». وهنا نجد أن العواطف باتت سلبية في وضعنا العربي وذلك لقبول العدو وخدمته ظنا أنه سيجلب الرخاء والأمن المفقودين في ديارهم. ولو عدنا بالذاكرة قليلا لذلك المشهد الذي يتباهى فيه النائب البريطاني جورج غلاوي ويظهر حبا لبعض العرب ويدق إسفينا بينهم، وبين اشقائهم أن العرب هم سبب كل محنهم. بل ويطرح سؤالا ظاهره الرحمة، وباطنه من قبله شيطان فتنة: ما الذي يمنع العرب من الوحدة أو الاتحاد ؟ والجواب لا شيء سوى سوء صنائعهم، وبالعامي «قلة دبرتهم». وهنا يحق لكل شخص أن يرى من زاويته.. وما يهمنا هنا ما هي زاوية رؤيتنا كعرب؟ وهل نستطيع تحقيق بعض طموحاتنا؟ يحتار المرء في الإجابة ولكن من يقرأ الواقع ويستشرف المستقبل لن يحيد بعيدا عن الوصول الى خارطة طريق. وأهم ملامح تلك الخارطة يكمن في الإجابة عن سؤال بسيط هو: ما هي دروسنا المستفادة من كل هذه الفوضى والدماء؟ لن تجد الجواب في أروقة جامعتنا العربية التي تحتفي بمرور سبعين عاما من عمرها المديد وإن كنا نظن أنها قد ماتت ويحسن دفنها، ولكن من الموتى الذين يصعب دفنهم طالما أن أجهزة الإنعاش تعطينا مؤشرات الأمل. ولعل ابرز الدروس المستفادة أن الجامعة العربية لمست عبر أجهزتها المختلفة كيف بنينا صورا ذهنية عربية - عربية ليس فيها سوى السلبية المتعددة الأوجه. فانتقلت من أروقة السياسة للإعلام والرياضة والسياحة والاقتصاد والاستثمار والدراما والفنون الجميلة التي أصبحت قبيحة.. فعلنا هذا. لم يسلم وجه من وجوه حياتا العربية من عمليات التقبيح، ولم نكتف بهذا الظلم للذات والأهل بل تحول المرض من عربي/عربي إلى عربي/محلي. فاختفى وجه التعايش في بلدان كلبنان والعراق ومصر، والآن في الخليج بوادر مرضية لفتنة تظهر فتوأد. وهنا نقول ماذا عملت الدول لتصحيح تلك الصورة الذهنية؟ أعتقد أنه آن الآوان لموقف حازم في وجه كل أجير يتاجر بوحدة الأمة بحجة حرية التعبير وهو يقبض الثمن من العدو ولنا في كهل إعلام مصر وهيكلها المحنط عبرة وعظة. وفي جانب آخر كيف ماتت مؤسسة التصنيع الحربي المشترك؟ وكيف أصبحت مصرية خالصة دون أن يكون هناك جدوى من عودة الشركاء الى ذات المشروع، أو على الأقل التعلم من أخطاء الماضي في مشروعات المستقبل. ومنها مشروعات الأمن المائي والغذائي، ومشروعات الربط الكهربائي وشبكات المواصلات والمناطق الحرة والتبادل التجاري. ويبدو أن ابسط أوجه التعاون والتكامل العربي قد يكون في المجال العلمي والتبادل الطلابي؛ فاستقبالنا للطلاب ولو لفصل او لشهر واحد حتى، سوف ينمو مع الفكرة جيل عربي يحب هذا التراب لا الهرب منه. ولعل المشهد المؤلم بين مصر والسودان التي تتهم فيه الأخيرة قتل بعض أبنائها وهم في هجرة لأرض عدو الأمة إسرائيل واختراق حواجز الأمن المصري في زمن تشن فيه الجماعات الإرهابية ابشع جرائمها ضد الجيش العربي المصري الذي دافع عن امتنا لسنوات طويلة. فهذا مواطن يهجر موطنه، ويعبر الآخر ليذهب للعدو اي درس ابلغ من هذا؟ في ظل هذه الصورة السوداوية نجد أن هناك صورة مشرقة أعادت الأمل للأمة قبل أن تعيدها لليمن الذي وجدت من أجله. إنها عاصفة الحزم والأمل ووحدة العرب وخصوصا في الخليج ومعهم مصر والسودان وغيرها من بلاد العرب. ولعل هذه الصورة تشعل فينا جذوة الأمل، فالعدو بات من أبناء جلدتنا بعد أن باع الوطن بأوهام الأعداء. نعم أيها الأمير خالد نريد العقل والروية والتدبر في كل أمورنا، فعاصفة الحزم والأمل وقمة دول الخليج بالرياض صور إيجابية تبعث فينا الأمل. كذلك كل مؤسسة عليها جزء من المسؤولية، ومؤسسة الفكر العربي قامت بواجبها ففتحت لنا نافذة عقلية نطل بها على مآسينا. ولكن هل من علاج «لقل الدبره» التي استشرت عربيا؟ أحد شيبان الديرة يقول في الجواب «إلى جت العلة من البطن منين تجي العافية؟».
مشاركة :