تواجه الحكومة المصرية ضغوطا كبرى للخروج بمشروع الموازنة العامة للدولة للعام المالي المقبل الذي يبدأ في يوليو إلى برّ الأمان، إذ يتم إعدادها في ظروف استثنائية وأحداث طارئة يعكسها المشهد الاقتصادي العالمي. وتسلّم مجلس النواب المشروع أخيرا، ومن المتوقع أن يتسع عجز الموازنة، ما يؤدي إلى زيادة الإنفاق الاجتماعي وارتفاع تكاليف الاقتراض. وسيتم عرض المسودة النهائية للموازنة للتصويت عليها وجرى رفعها إلى لجنة الخطة والموازنة بالبرلمان لمناقشتها ثم بعد ذلك إلى رئيس الجمهورية للمصادقة عليها، وفي حال عدم الموافقة عليها قبل 30 يونيو المقبل يستمر العمل بالموازنة الحالية حتى تمرير الجديدة. وتنحصر الموازنة في ثلاثة تصنيفات تشمل شقا اقتصاديا يضم إجمالي إيرادات ومصروفات الدولة، ووظيفي للخدمات العامة والأمن القومي، وإداري لمصروفات الهيئات التابعة. هاني توفيق: ينبغي مضاعفة الحزم المالية لدعم المتضررين من التضخم وتعد الموازنة الجديدة بمثابة موازنة أزمة، إذ تُناقش في البرلمان وسط ارتفاع أسعار السلع والنفط على خلفية الحرب الروسية – الأوكرانية التي أضرت بقطاع السياحة كمصدر رئيسي للعملة الصعبة. ويمثل السياح القادمون من هذين البلدين ما يقرب من ثلث إجمالي السائحين الوافدين لمصر خلال السنوات الماضية. ويؤدي ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة إلى زيادة الإنفاق على الدعم في الموازنة الجديدة، وسيرتفع دعم الوقود بأكثر من 50 في المئة ليصل إلى 28.1 مليار جنيه (1.5 مليار دولار)، بينما يرتفع دعم السلع الأساسية بشكل طفيف إلى 90 مليار جنيه (5 مليارات دولار). ويؤدي ذلك إلى زيادة الإنفاق العام على الدعم إلى 19.8 مليار دولار بزيادة 11 في المئة عن العام المالي الحالي. ووفق الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء تستورد مصر 60 في المئة من احتياجاتها الغذائية، وتضاعفت فاتورة استيراد النفط إلى 12 مليار دولار في العام بعد ارتفاع أسعار النفط. وتحصل برامج الحماية الاجتماعية على المزيد من الدعم الحكومي وقد ترتفع مخصصاتها بنسبة 4 في المئة لتصل إلى 16.3 مليار دولار. ومن ضمن بنود الإنفاق الرئيسية الأخرى الأجور والتي سترتفع إلى 222 مليون دولار بزيادة 11 في المئة بمقارنة سنوية، والسلع والخدمات حيث يرتفع الإنفاق عليها إلى 55.5 مليون دولار بزيادة 21 في المئة. وحددت الموازنة أسعار النفط عند 80 دولارا للبرميل، ارتفاعا من 60 دولارا العام المالي الحالي، وأسعار القمح عند 330 دولارا للطن ارتفاعا من 255 دولارا للطن العام المالي الجاري. وأعلن وزير المالية محمد معيط عن استهداف تسجيل فائض أَولي بمقدار 7.3 مليون دولار وخفض العجز إلى 6.1 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، ووضع معدل الدين في مسار نزولي ليصل لأقل من 75 في المئة من الناتج المحلى خلال السنوات الأربع المقبلة. وتعد مستهدفات الموازنة الحالية غير مقبولة ويجب زيادتها حتى لو أدى ذلك إلى زيادة العجز والذي يمكن التعامل معه بخبرات الحكومة في فترات لاحقة، لأن العالم يمر بتغيرات استثنائية وخطيرة. كما أن أسعار النفط التي حددتها الحكومة منخفضة للغاية عن الأسعار الحالية للنفط على مستوى العالم والتي تفوق 100 دولار. ويوحي تحديد سعر النفط عند 80 دولارا بأن هناك خفضا شديدا مرتقبا في دعم الطاقة ورفع أسعار الخدمات المقدمة للمواطنين من كهرباء وغيرها بشكل متكرر في حال استمرار الأزمة الروسية الأوكرانية. أحمد سعد: الضرائب تبقى المصدر الأكبر لإيرادات الحكومة العام المقبل وكان يجب على وزارة المالية رصد وتحديد أكثر من سيناريو للموازنة العامة أحدها يرتبط بالوضع الطبيعي (تفاؤل) والثاني بوجود أزمة اقتصادية عالمية (تشاؤم) والثالث بفترة التعافي (متوسط)، لأن العالم يشهد أحداثا اقتصادية جديدة ومتطورة يوما بعد آخر. وقال الخبير هاني توفيق لـ”العرب” إن “هذا ليس وقت الحديث عن فائض أولي في الموازنة والطبيعي أن يتضاعف العجز. ويجب التركيز على مضاعفة الحزم المالية لدعم المتضررين من التضخم”. وتتوقع الحكومة ارتفاع الإنفاق العام بنسبة 13 في المئة ليصل إلى ما يقرب من 111 مليار دولار بينما سترتفع الإيرادات بنسبة 11 في المئة لتصل إلى 83 مليار دولار، ويتبع ذلك اتساع عجز الموازنة إلى 30.5 مليار دولار من 26 مليار دولار في العام المالي الحالي. وتأتي النسبة الأكبر من إيرادات الدولة من الضرائب والدخل الناتج عن الخدمات الحكومية، والهيئات الاقتصادية مثل قناة السويس، وكذا المنح، فضلا عن مصادر التمويل الأخرى مثل المتحصلات من الإقراض ومبيعات الأصول المالية، والاقتراض وبيع الأوراق المالية. واعتبر توفيق أن هذا ليس وقت زيادة الضرائب أو المتحصل منها، بل هو وقت التشغيل والاستثمار وتمويل المشروعات الصغيرة المتوقفة وزيادة التصدير، ولو حتى تحول الفائض الأَولي إلى عجز. وألقت معدلات التضخم وأسعار الفائدة العالمية بظلالها على بنود إعداد الموازنة المصرية، ولذلك قد يشهد البيان الأَولي المعروض على الحكومة تعديلا لو حدثت تطورات عالمية جديدة بسبب الأزمة الروسية، خاصة في ما يتعلق بأسعار النفط وأسعار الفائدة على أذون الخزانة. ورفض توفيق محاولات رفع سعر الفائدة في الموازنة أو في قرار البنك المركزي المقبل بشأنها، لأن الوقت غير مناسب وقد يعمّق جراح عجز الموازنة ويسحب سيولة من السوق تتراكم في شهادات بالبنوك، بالتزامن مع ركود مؤكد يحتاج إلى المزيد من السيولة في الأسواق. ولمواجهة التضخم وتحقيق مستهدفه في الموازنة العامة عند 8 في المئة، ينبغي الابتعاد عن التعقيدات المصرفية والجمركية في استيراد الخامات وقطع الغيار. برامج الحماية الاجتماعية تحصل على المزيد من الدعم الحكومي وقد ترتفع مخصصاتها بنسبة 4 في المئة لتصل إلى 16.3 مليار دولار ويقول خبراء إن البلد لا يملك رفاهية توقف حركة سريان البضائع في المصانع والأسواق، لأنه يترتب عليها المزيد من التضخم، علاوة على التضخم المستورد من ارتفاع تكاليف الخامات بالخارج. واستبعد الخبير أحمد سعد اتجاه الحكومة إلى رفع أسعار الطاقة أو البنزين محليا بشكل متكرر في الأسواق لتعويض الفارق بين سعر النفط في الموازنة ونظيره في الأسواق العالمية، لأن السعرين سيكونان في الغالب متقاربين كما أن مصر تصدّر الغاز ويمكن سد ذلك العجز كي لا تتفاقم ارتفاعات الأسعار بالأسواق. وقال سعد لـ”العرب”، إن “الضرائب ستظل هي مصدر الإيرادات الأكبر لدى الحكومة لتمثل نحو 90 في المئة من إجمالي إيرادات البلد إلى جانب النسبة المتبقية من الإيرادات السيادية الأخرى، مثل دخل قناة السويس والسياحة التي تتضرر بشدة من الأوضاع العالمية”. ShareWhatsAppTwitterFacebook
مشاركة :