نجاح الأموال العامة في حماية الأسر من الوقوع في هوة الفقر بسبب إنفاقها على الرعاية الصحية من أموالها الخاصة يعتمد على تصميم سياسات التغطية، ويدعمه التمويل الذي يعزز هذه السياسات من خلال الترتيبات الداعمة بشأن الميزانية وشراء الخدمات. ويستتبع ذلك أكثر من مجرد توفير الإيرادات: يجب تغيير كل من هندسة وبنيان نظام تحويل الرعاية الصحية برمته. لقد كانت جائحة كوفيد - 19 بمنزلة اختبار لقدرة نظم إدارة الموارد العامة على تحمل الضغوط، فكشفت عن نقاط قوتها ومواطن ضعفها في الاستجابة للحالات الصحية الطارئة. وتبين أن أفضل النظم أداء هي تلك التي لديها هيكل ميزانية مرن يخصص الأموال ويصرفها من خلال تخصصات برامجية واسعة النطاق ترتبط بأهداف السياسات، وليست تلك التي تستخدم بنودا تفصيلية متعددة ضيقة النطاق. وألقت الجائحة كذلك الضوء على أهمية القدرة على تحريك الأموال بسرعة لمقدمي الخدمات في الصفوف الأمامية من خلال آليات التحويل القوية والمخصصات القائمة على صيغ ملائمة. وكشفت الجائحة الستار عن أهمية الصحة العامة من خلال توضيح دورها الجوهري في حياة الناس ومصادر رزقهم. والآن يجب على السلطات المعنية بالصحة والتمويل أن تعمل معا لتقوية النظم الصحية والاقتصادات بطريقة تحقق الدعم المتبادل، ومن خلال إجراءات محددة متعددة. أولا، نحث الدول على إعادة التفكير في سياسات التمويل بالعجز، واعتماد رؤية متعددة الأعوام المالية العامة تخفف وطأة المصاعب البشرية، والنظر، إذا استدعى الأمر، في اتخاذ إجراءات مثل تخفيف أعباء الديون وتقديم المساعدة الاقتصادية. وسيحتاج نظام الرعاية الصحية الشاملة إلى أكثر من عام واحد، فهو يقتضي إجراء سلسلة من الإصلاحات على مدار عدة أعوام. ويجب أن يشكل جزءا لا يتجزأ من الميزانيات الحكومية السنوية ومتوسطة الأجل. ولا تجب معاملة النفقات الصحية ببساطة على أنها تكلفة، وإنما هي استثمار في الأمن الصحي، والإنتاجية، والنمو الاقتصادي الشامل لجميع فئات المجتمع. وندعو القيادات في مجالي الصحة والتمويل إلى التعاون في تحديد أولويات الميزانية، ودعم التصدي لجائحة كوفيد - 19 وكذلك الخدمات الصحية غير المرتبطة بهذه الجائحة، أما أوجه القصور الاقتصادية الكلية وفي المالية العامة، فستقتضي النظر مجددا في الإنفاق عبر القطاعات بما في ذلك سحب التمويل من البرامج غير الفعالة. وثانيا، أولويات الإنفاق يجب أن تعزز الصحة العامة عن طريق زيادة الاستثمار في السلع العامة للرعاية الصحية من أجل السيطرة على الجائحة، وتأسيس نظم صحية قوية وترسيخ الأسس المجتمعية لتوفير الدعم المتبادل للرعاية الصحية الشاملة وأهداف الأمن الصحي. ويتعين إعطاء دفعة كبيرة لبناء قدرات الصحة العامة الفعالة وعمليات التدخل التي تعود بالنفع على الجميع بينما تقوي أساس النظم الصحية الموجودة لدعم الاستعداد لتوفير الأمن الصحي. وثالثا، نحث الدول على تطويع نظم الإدارة المالية العامة كي تجعل الإنفاق العام على الصحة متسقا مع أهداف تقديم الخدمات وضمان المساءلة عن نتائجه. فقد أدت أزمة كوفيد - 19، إلى تسليط الضوء والكشف عن الاختناقات النظامية في الإنفاق على الرعاية الصحية وكذلك دفعت الجائحة الدول إلى تطويع نظم الإدارة المالية العامة لديها لتوفير قدر أكبر من المرونة المالية للعاملين في الصفوف الأمامية وتصميم نظم المساءلة على النحو الملائم لمواجهتها. ويمكن النظر في بعض الآليات التي نشأت في ظل الاستجابة لجائحة كوفيد - 19 لتلبية الاحتياجات الصحية غير الطارئة مستقبلا التي ستواصل التطور وتتطلب مرونة الموارد العامة. وأخيرا، وأهم ما في الأمر، يجب أن تكون المساواة في صلب نظام الرعاية الصحية الشاملة، بإيلاء الأولوية لحماية الفقراء والضعفاء ضد المصاعب المالية. فقد كشفت جائحة كوفيد - 19 عن عدم المساواة النظامية في الحصول على الرعاية الصحية، بينما يعاني الفقراء الخسائر بشكل فادح. واتخاذ منهج حساس تجاه تحقيق العدالة مسألة حاسمة، نظرا لأن معدلات التغطية الصحية الكلية تحجب في أغلب الأحيان تنامي عدم المساواة.
مشاركة :