ماكرون بين سندان اليمين ومطرقة اليسار

  • 6/21/2022
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

يروي الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، في إحدى مقابلاته التلفزية، أنه قبل دخوله حلبة السباق الرئاسي بفترة زمنية، كان ينوي الترشح للرئاسة كمرشح مستقل. وأوضح أنه بينما كان يلعب الغولف صحبة الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون، سأله عن مدى إمكانية تحقيق ذلك. وكان رد السيد كلينتون بانعدام أي إمكانية. لذلك السبب، عدّل السيد ترمب من خططه، وقرر دخول السباق مرشحاً عن الحزب الجمهوري. وبالفعل، نجح من أول محاولة. الشيء نفسه يقال عن بريطانيا، إذ لا أحد يتوقع وصول شخص من خارج الأحزاب الرئيسية إلى الحكم. وبعد وصول الرئيس إيمانويل ماكرون إلى قصر الإليزيه رئيساً عام 2017، ومن خارج الأحزاب الفرنسية التقليدية، يميناً ويساراً، وليس بأجندة شعبوية، شكلت فرنسا استثناء. الرئيس ماكرون، شكل حزباً جديداً، في فترة زمنية قصيرة، وخاض الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، واستحوذ على مقاليد الأمور، ولم يصل سن الأربعين. في شهر أبريل (نيسان) الماضي، وبعد خمس سنوات من وجوده في قصر الإليزيه، تمكن الرئيس ماكرون من تمديد إقامته في ذلك القصر الفرنسي العتيد، ومُنح تفويضاً شعبياً بالبقاء لمدة خمس سنوات أخرى. فرحة النصر لم تدم طويلاً. يوم الأحد الماضي، تلقى طعنة من الناخبين، وخسر الرئيس ماكرون أغلبيته البرلمانية. عقب ظهور النتائج، كان مراسل قناة «فرانس 24»، واقفاً أمام مقر حزب الرئيس ماكرون في العاصمة باريس، ينقل إلى المشاهدين آخر التطورات في المعسكر الماكروني. ومن ضمن ما قاله إن الرئيس ماكرون قضى الأيام الثلاثة السابقة عن يوم الاقتراع في زيارات رسمية خارجية، وهي أيام حاسمة. وإن كثيرين من أنصاره يتساءلون عن السبب وراء عدم تأجيله تلك الزيارات، ويرونها سبباً وراء خسارتهم لأغلبيتهم البرلمانية. الآن، وبعد أن كان سيد الإليزيه والبرلمان، من دون منافس، سيجد الرئيس ماكرون نفسه في وضعية مختلفة عن السابق وخانقة. وأنّه في حاجة إلى الجلوس مع قادة أحزاب أخرى بغرض سد النقص في المقاعد البرلمانية اللازمة لكي يتمكن من تنفيذ برنامجه الإصلاحي، من دون عراقيل. البرلمان الفرنسي يتكون من 577 مقعداً، حزب الرئيس ماكرون في حاجة إلى 50 مقعداً تقريباً، لتصل الأغلبية إلى 289 مقعداً. وهذا يعني أنه سيكون مرغماً، إلى حد ما، على قبول شروط قادة الأحزاب التي يود الائتلاف معها. ومن المرجح أن بعض تلك الشروط سيكون علقماً في حلقه، ولا بد له من تجرّعه. شروط اللعبة تغيرت. والملعب الذي كان يجول ويصول فيه لوحده، دخله لاعبون آخرون، وبأجندة مختلفة عن أجندته، وعليه أن يتعلم التعايش معهم، أو قلب الطاولة على رؤوس الجميع، وحلّ البرلمان، والدعوة إلى انتخابات برلمانية جديدة. وهذا من صلاحياته كرئيس. تلك الخطوة مقامرة سياسية. قد يكتب لها النجاح وقد تكسره. فهل يفعلها؟ يرى مراقبون عديدون أن اليمين المتطرف بقيادة السيدة مارين لوبن يعد الرابح الأكبر في الانتخابات البرلمانية الأخيرة؛ إذ قفز عدد مقاعده البرلمانية من 8 إلى قرابة 90 مقعداً. وصار وفقاً للوائح السائدة كتلة برلمانية بصلاحيات دستورية ومزايا مالية عديدة. المزايا الأخيرة تضع الحزب في وضع مالي متميز يمكنه من تمويل حملاته الانتخابية الرئاسية والبرلمانية القادمة، من دون حاجة للاقتراض من الخارج، كما فعلت زعيمته في السابق ولجوئها إلى الاقتراض من مصرف روسي مبلغ قيمته 8 ملايين يورو لدعم حملتها الانتخابية للرئاسة. الامتيازات أهمها حق المطالبة بإجراء تحقيقات برلمانية ورفع قضايا أمام محاكم دستورية تحدياً لقوانين حكومية. تلك المحاكم قد تجبر وزراء أو مستشارين للرئيس للمثول أمامها والإدلاء بشهاداتهم. الرابح الثاني هو تحالف أحزاب اليسار (اشتراكيين وشيوعيين وحزب الخضر) بقيادة السيد جان لوك ميلانشون، الذي كاد يكون منافساً للرئيس ماكرون في انتخابات الرئاسة الماضية. السيد ميلانشون يطالب برئاسة الحكومة. والتحالف الذي يقوده حظي بعدد 144 مقعداً، وبذلك يصير أكبر حزب معارض. وهذه الصفة تمنحه قانوناً تولي رئاسة اللجنة البرلمانية المالية. وهي من أهم اللجان وأكثرها نفوذاً. ومن حقها مطالبة الحكومة بتقديم معلومات ضرائبية سرّية. وكذلك عرقلة تمرير الميزانية مؤقتاً. ما يميز التحالف اليساري أنه بأجندة سياسية معارضة لأجندة الرئيس ماكرون، خاصة المتعلق منها بتعديل قانون التقاعد، حيث يقترح الرئيس ماكرون تمديد سن التقاعد إلى 65 عاماً، في حين أن السيد ميلانشون يطالب بتخفيضها إلى سن 60 عاماً. يرجح المراقبون أن يلجأ الرئيس ماكرون إلى التعايش مؤقتاً مع الوضعية الجديدة لمدة لا تزيد على عام، ثم يلجأ إلى حل البرلمان والدعوة إلى انتخابات برلمانية خاطفة. ويرى آخرون أن الرئيس ماكرون سيجد العون في الحزب الجمهوري. ومن الممكن عقد ائتلاف يمكنهم من السيطرة برلمانياً، وقيادة المرحلة القادمة.

مشاركة :