من القضايا المهمة التي حضرت في لقاء الإعلامية وفاء الكيلاني الأخير مع الشاعر ياسر التويجري قضية التوثيق، وهي قضية خطيرة يغفل عنها كثير من الشعراء أو تغيب عنهم تحت تأثير الانفعالات الحادة، التي يُعبرون عنها في تصريحاتهم، أو في قصائدهم، فكل ما يتفوه به الشاعر أو يكتبه يتحول مع مرور الزمن إلى ما يُشبه الوثائق التي يستخدمها الآخرون لإحراج الشاعر، أو لحرمانه من أمور يرى أحقيته بامتلاكها، أو يكون وثيقة لمحاكمته وإدانته وإيقاع أقسى العقوبات عليه، كما رأينا في حالات كثيرة كان آخرها حالة الشاعر أشرف فياض التي قيل وكُتب عنها كثير خلال الأسابيع الماضية. في كثير من مُقابلات التويجري تحضر تهمة التناقض نتيجة جرأته الكبيرة والدائمة في طرح آرائه، ولشغف الإعلاميين بمواجهة المبدعين بآرائهم ومواقفهم المتضاربة بوصفها شكلاً من أشكال التناقض التي لا يحسن السكوت عنها. وفي هذا اللقاء تحديدًا تحدث التويجري بوضوح عن حتمية التغير والتطور بفعل التقدم بالسن ونضوج التجربة، وذكر أن هذه الحتمية هي التي دفعته لتأجيل إصدار ديوانه، وأعتقد أنها هي التي تدفع القليل من الشعراء، الذين يمتلكون الوعي ويشعرون بالقلق والخوف من مسألة مواجهتهم بأخطائهم وآرائهم المتضاربة، لتأجيل فكرة إصدار الديوان إلى أجل غير مُسمى. أبيات الشاعر وتصريحاته المتناقضة بمنزلة الوثائق التي يُسارع خصومه وغيرهم لإخراجها وقت الحاجة إلى ذلك، ومن ذلك ما رواه ابن المعتز من أن الشاعر بكر بن النطاح جاء إلى أبي دُلَف يمدحه فلما "بلغ الموضع الذي يستمنحه فيه ويسأله" قال له الممدوح: "فأين ما قلت: ومن يفتقرْ منّا يعش بحُسامهِ ومن يفتقر من سائر الناس يسألِ فخجل بكر وأطرق مليًا، ثم قال: يا أيها الأمير، لو كان تحتي فرس من خيلك، وفي يدي قناة من رماحك، وتقلّدت سيفًا من سيوفك، لَما قمتُ هذا المقام". من الجيد ألا يندفع الشاعر في تصريحاته، وأن يتأنى كثيرًا في اختيار القصائد التي ينشرها أو يُضمنها ديوانه المسموع أو المطبوع، لأن هذه الطريقة هي الوحيدة التي ستُقلل من عدد التصريحات والأفكار التي سيُعلن تراجعه عنها، ومن عدد القصائد التي يتمنى لو كان باستطاعته نفيها والتخلص من نسبتها إليه. أخيرًا يقول سالم حمد الملعبي: كم خطا خباه جهلي واكشفته سنيني إيه يا نفسي عليك أخطيت ماني جاحد عيبي إني شلت واجد بالغلط في عيني وعيبهم طاحوا مع الأيام واحد واحد
مشاركة :