أظهر تقرير حديث للبنك المركزي المغربي حول أداء البنوك العاملة بالبلاد أن القطاع المصرفي استطاع التأقلم مع الظروف الداخلية والخارجية التي أثرت على نشاطه وتمكن من الصمود بوجه المنغصات. وقدمت هبة زهوي مديرة الإشراف البنكي في المركزي المغربي الاثنين الماضي بمدينة الدار البيضاء عرضا مفصلا لما جاء في النسخة الثامنة عشرة من التقرير السنوي للبنك حول نشاط القطاع والذي تمكن من النمو في العام الماضي قياسا بالعام 2020. وتطرق التقرير إلى حصيلة أنشطة المركزي وفق سياسته النقدية خلال السنة الثانية من الوباء، والتي ساهم خلالها التقدم المحرز في التلقيح والإبقاء على التحفيزات المالية والنقدية، إلى جانب النتائج الجيدة للموسم الزراعي، في انتعاش الاقتصاد المحلي. وأكدت زهوي أثناء مؤتمر صحافي أن القطاع المصرفي استفاد من تحسن الأوضاع الاقتصادية في عام 2021 بعد ركود عام 2020، مشيرة إلى استمرار القطاع في الاضطلاع بدوره كمصدر رئيسي لتمويل الاقتصاد. هبة زهوي: أداء القطاع أظهر صلابة في سياق اتسم بمخاطر عالية ونسبت وكالة الأنباء المغربية الرسمية إلى زهوي قولها إن “مؤشرات القطاع بشكل عام، من حيث السيولة والربحية والملاءة المالية، أظهرت صلابة المنظومة البنكية وصمودها على الرغم من السياق الذي يتسم بمستوى عال من المخاطر”. وتمحورت الإجراءات الرئيسية التي نفذها المركزي في 2021 حول مراقبة آثار الوباء على القطاع، ورقمنة الخدمات المالية لتحسين الشمول المالي، وتطوير العلاقة بين البنوك والمستهلكين، وتنمية التمويل المستدام الذي يراعي التغير المناخي. وقالت زهوي “أبان القطاع عن قدرته على الصمود وتمكن من ضمان تمويل الفاعلين الاقتصاديين، بفضل تدابير الدعم العمومي في شكل قروض مضمونة من طرف الدولة”. ولدعم عودة القطاع بشكل أقوى قام المركزي بإنهاء العمل ببعض تدابير الدعم المؤقتة الاحترازية التي كان قد اتخذها عند اندلاع أزمة كوفيد. وبحسب الإحصائيات الرسمية فقد بلغ نمو الائتمان البنكي للقطاع غير المالي حوالي 3 في المئة، مدعوما بتمويل حاجيات الشركات والقطاعات الإنتاجية. ورغم استمرار مشكلة القروض المتعثرة، إلا أن البنوك تمكنت من تحسين وضعيتها بشكل واضح، فقد بلغ متوسط نسبة الملاءة المالية 15.8 في المئة مقابل حد أدنى تنظيمي يبلغ 12 في المئة، لترتفع النتيجة الصافية التراكمية بنسبة 76.4 في المئة. وأشارت البيانات إلى أن نسبة الديون المتعثرة ارتفعت إلى 8.5 في المئة من صافي التسهيلات المصرفية بنهاية العام الماضي من 8.2 في المئة بمقارنة سنوية. وقال المركزي في تقريره السنوي إن إجمالي الديون المتعثرة بنهاية العام الماضي بلغ 85.1 مليار درهم (8.4 مليار دولار بأسعار الصرف الحالية)، ارتفاعا من 7.8 مليار دولار قبل عام. وأوضح أنه بعد زيادة 4.1 في المئة في العام الأول من تفشي الوباء، ارتفع إجمالي القروض المقدمة من جانب القطاع المصرفي بنسبة 2.8 في المئة مقارنة بالعام السابق إلى 104.5 مليار دولار بنهاية 2021. ويأتي هذا التباطؤ في نمو القروض، في سياق تميّز بنهاية مرحلة منح القروض التي تضمنها الدولة المغربية، والتي أُحدثت في سياق الإجراءات الاستثنائية لمواجهة تداعيات أزمة كورونا. وركز المركزي على تتبع المخاطر وإيلاء اهتمام خاص لمآل القروض التي استفادت من تأجيل آجال سدادها، وتنفيذ برامج القروض المرتبطة بكوفيد والمضمونة من طرف الدولة وكذلك تطور الديون المتعثرة وتغطيتها. أبرز مؤشرات 2021 ● 3 في المئة نمو الائتمان البنكي للقطاع غير المالي ● 8.5 في المئة نسبة الديون المتعثرة من إجمالي القروض ● 15.8 في المئة نسبة ارتفاع الملاءة المالية للبنوك وسعت السلطات النقدية العام الماضي إلى إيجاد حلول لمواجهة الديون المتعثرة للبنوك عبر تفكيك العقبات القانونية والإجرائية لمعاجلة هذه الأزمة. وقامت الحكومة بضبط مشروع لتأسيس هيئة تتولى تسوية القروض المتعثرة، حيث تأتي الخطوة في ظل توقف نسبي لبعض الأنشطة الاقتصادية وانخفاض المعاملات بفعل جائحة كورونا. وفي أبريل 2021 أطلقت الرباط المشروع بعدما توقف عدد كبير من الأفراد والشركات عن سداد أقساط القروض فضلا عن ضغوط تحمل الدولة والقطاع المصرفي للتكلفة الكاملة للفوائد العرضية الناتجة عن تأجيل سداد قروض السكن والاستهلاك خلال ذروة كوفيد. وقال عبداللطيف الجواهري محافظ المركزي حينها إن “مشروع على الطريق الصحيح” معقد للغاية، نظرا إلى الجوانب القانونية والمالية والمؤسساتية المرتبطة به. وعلى الرغم من أنه لا يزال حديثا، أظهر قطاع التمويل التشاركي (الصيرفة الإسلامية) أيضا قدرته على الصمود على مستوى نشاطه ونتائجه وجودة أصوله. ومن المتوقع أن يشهد هذا القطاع ديناميكية جديدة بفضل إطلاق منتجات التأمين التكافلي بعد أن سمحت السلطات النقدية بتداول هذا النشاط في السوق المحلية في عام 2017. وفي يوليو 2019 أعطت الحكومة زخما جديدا لمجال الصيرفة الإسلامية بعد أن أُقِرَّ قانون التأمين التكافلي، والذي يُتوقع أن يرفع من نسبة المواطنين الذين يتعاملون مع القطاع المصرفي، وسيُلبّي حاجيات شريحة واسعة من الأفراد. وتشير دراسة أنجزتها مؤسسة تومسون رويترز قبل عدة سنوات إلى أن قيم أصول البنوك الإسلامية تتراوح بين 3 و5 في المئة من إجمالي أصول القطاع المصرفي المغربي، وتقدر النسبتان المذكورتان بين 5.2 و8.6 مليار دولار. ويعد المغرب نموذجا بالمنطقة العربية وخاصة في شمال أفريقيا لبلد انخرط في نظام التمويل الإسلامي، وهو يسعى لأن يصبح محورا أساسيا في هذا النشاط، الذي يمكن أن يستقطب الكثير من التمويل من خارج البنوك التقليدية. وحتى تقوّي البنوك جدارتها المالية طالب المركزي من البنوك بالتحلي بالحذر في توزيع الأرباح وبطلب الموافقة المسبقة منه قبل الاقدام على عمليات التوزيع. قطاع التمويل التشاركي أظهر قدرته على الصمود على مستوى نشاطه ونتائجه وجودة أصوله وتعكف السلطات النقدية المغربية منذ سنوات على إدخال إصلاحات هيكلية في عمل القطاع المصرفي حتى ينسجم مع “معايير بازل 3”. وعمل المركزي المغربي على تعزيز الإطار التنظيمي والتشغيلي للاستجابة لمتطلبات المواضيع التي سلطت عليها الأزمة الصحية الضوء، والمرتبطة على الخصوص بحماية المتعاملين والرقمنة وتغير المناخ. كما يسعى لتسريع تنفيذ خطة العمل الهادفة إلى الامتثال إلى كافة متطلبات مجموعة العمل المالي في ما يتعلق بمجال النزاهة المالية ومكافحة غسيل الأموال. وكان المركزي قد توقع الشهر الماضي نمو الاقتصاد المحلي بواقع 1 في المئة هذا العام بفعل تراجع إنتاج الحبوب على أن يتسارع النمو إلى 4 في المئة في 2023.
مشاركة :