تعطي آفاق نمو أعمال البنوك المغربية ونمو أرباحها بوتيرة أسرع في 2023 رغم التشديد النقدي لمحة عن استقرار ومتانة القطاع المصرفي، الذي تعوّل عليه الحكومة كونه أحد صمامات الأمان لنمو الاقتصاد ومساهمته في تمويل المشاريع وضمان استدامتها. الرباط - يمنح تأكيد وكالة فيتش للتصنيف الائتماني أن البنوك المغربية ستتمكن من مواجهة الصدمات خلال 2023 دفعة معنوية قوية للقطاع، لتجاوز التقلبات التي فرضتها الحرب في شرق أوروبا على السوق المحلية. وتوقع خبراء الوكالة أن تشهد أرباح البنوك تحسنا بوتيرة سريعة مع بدء الفائدة المرتفعة في تغذية عوائد الإقراض في ظل السياسات النقدية الراهنة. ووضعت تأثيرات ارتفاع الفائدة والتضخم الجامح القطاع المصرفي أمام اختبار مزدوج لإظهار قدرته على الصمود أمام الصدمات والمساعدة في النهوض بالاقتصاد عبر توظيف كل الأدوات الممكنة لكي تكون مصدا قويا إلى حين اجتياز هذه المحنة. وكالة فيتش: البنوك في وضع يمكنها من تسجيل أداء جيد خلال 2023 وكالة فيتش: البنوك في وضع يمكنها من تسجيل أداء جيد خلال 2023 ووجدت البنوك مع بداية هذا العام نفسها في معركة لتحسين أدائها والذي بات على المحك بفعل عوامل أقوى منها تجعل من الضروري عليها التأقلم معها وبسرعة. ويواجه القطاع عاما يتسم بالتحديات بسبب تأثير التضخم على القدرة الشرائية وتداعيات رفع الفائدة على كلفة الاقتراض الذي سجّل تباطؤا في الإقبال عليه بداية 2023. ولجأ البنك المركزي إلى رفع الفائدة ثلاث مرات منذ سبتمبر 2022 إلى ثلاثة في المئة حاليا من أجل احتواء آفة التضخم التي انتشرت في كل اقتصادات العالم. ولكنه قرر التوقف مؤقتا عن دورة التشديد باجتماعه الأخير في يونيو تزامنا مع تباطؤ وتيرة التضخم لأشهر متتالية من أعلى ذروة في فبراير عند 10.1 إلى 5.5 في المئة الشهر الماضي. وكان الاقتصاد المغربي قد نما بنسبة 3.5 في المئة خلال الربع الأول من العام الحالي مدعوما بتحسن الأنشطة الزراعية بشكل خاص، بعدما تباطأ لكامل العام الماضي إلى 1.3 في المئة من ثمانية في المئة المُحقّقة في العام السابق. واعتبر خبراء الوكالة في تقرير نشرته فيتش على منصتها الإلكترونية الخميس الماضي أن “الأساسيات الائتمانية لأكبر 7 بنوك في المغرب ظلّت صامدة ومرنة، رغم الظروف الاقتصادية العالمية والمحلية الصعبة”. وتشير الإحصائيات الرسمية إلى أن عدد البنوك التجارية العاملة بالسوق المحلية يبلغ تسعة، وأن ستة منها مدرجة في بورصة الدار البيضاء تمكنت العام الماضي من تحقيق الأرباح. ووفق بيانات المركزي، فقد حققت البنوك العام الماضي أرباحا صافية بنحو 14 مليار درهم (1.4 مليار دولار) بزيادة سنوية 15.5 في المئة، فيما بلغت الإيرادات 84 مليار درهم (8.6 مليار دولار) بزيادة سنوية قدرها 4.2 في المئة. وذكرت فيتش في تقريرها أن “البنوك المغربية خرجت من الأزمة الصحية بأساسيات ائتمانية معقولة وهو ما يجعلها في وضع مناسب لتسجيل أداء جيد خلال العام 2023 في بيئة تتسم بارتفاع أسعار الفائدة”. 8.6 مليار دولار حجم إيرادات البنوك في 2022 بزيادة قدرها 4.2 في المئة بمقارنة سنوية لكن آفاق نمو الأعمال لدى البنوك ستبقى متواضعة، وفق الوكالة، نظرا للنشاط الاقتصادي المعتدل، ويتجلّى ذلك في انخفاض حسابات القروض غير المجمّعة بنسبة واحد في المئة خلال مايو الماضي. وسعى المغرب في أبريل الماضي إلى إظهار قوة إستراتيجيته الاستباقية من خلال ضخ سيولة نقدية في القطاع المصرفي لدعم مرونته، بما يؤكد أن اقتصاد البلاد في مأمن من الصدمات والتقلبات الخارجية رغم مشاكل التضخم التي تشكل أكبر تحد للحكومة. وفعّلت الحكومة إجراء قانونيا يتيح للبنك المركزي منح سيولة مستعجلة بضمان من الدولة، لفائدة البنوك المحلية، وخاصة للمقرضين الذين يواجهون صعوبات في السيولة، وتكون ملاءتها محل شك. وهذا الإجراء منصوص عليه في القانون الأساسي للبنك المركزي منذ سنوات، ولكن تطبيقه بقي رهنا لصدور مرسوم من طرف الحكومة يوضّح شروط منح الضمان لتغطية السيولة المستعجلة الممنوحة للبنوك. وجاء تفعيل الخطوة بعد وقت وجيز على موافقة صندوق النقد الدولي على حصول الرباط على خط ائتمان مرن بقيمة خمسة مليارات دولار لمدة عامين، كانت قد طلبته الحكومة الشهر الماضي بغية مواجهة التحديات المالية التي تعترضها وفي مقدمتها التضخم. وأدى ارتفاع أسعار الفائدة إلى تراجع الطلب على الائتمان من الشركات والأسر في وقت أصبحت فيه البنوك أكثر انتقائية في إقراضها للحد من المخاطر. ويسعى المغرب لتحقيق نمو اقتصادي بنسبة 3.4 في المئة هذا العام، بانخفاض قدره 0.6 نقطة عن توقّعات الميزانية البالغة نحو أربعة في المئة تحت ضغط التداعيات المستمرة للحرب الروسية – الأوكرانية، واستمرار الجفاف للعام الثاني على التوالي. وأكد خبراء فيتش أن جودة الأصول لدى القطاع المصرفي المغربي استمرت في التدهور خلال الربع الأول من هذا العام، مع ارتفاع نسبة القروض المتعثرة من إجمالي القروض إلى 8.7 في المئة من 8.4 في المئة نهاية العام الماضي. ومن المتوقع حدوث المزيد من التدهور مع نهاية عام 2023، لكن مع إمكانية إدارة هذا التحدّي بفعل النهج الحذر للبنوك في مسألة الإقراض. 50 مليار دولار قيمة الاستثمارات التي سيتم ضخها في البلاد خلال السنوات الخمس المقبلة ولا تزال الودائع الثابتة للعملاء تمثل المصدر الأساسي لتمويل البنوك، حيث أوردت فيتش أن 76 في المئة منها عبارة عن حسابات جارية وحسابات توفير منخفضة التكلفة في نهاية 2022. وبلغ إجمالي ودائع العملاء العام الماضي 1.1 تريليون درهم (100 مليار دولار) بزيادة 6.9 في المئة على أساس سنوي، حصة الأسد منها تخص الأفراد بحوالي 797 مليار درهم. وبحسب أرقام البنك المركزي، يصل عدد الحسابات البنكية في المغرب إلى نحو 33.9 مليون، بزيادة قدرها 2.6 مليون حساب جديد العام الماضي. وتنوّه فيتش في تقريرها بأن اعتماد الحكومة المغربية العام الماضي لقانون يتيح للبنوك إصدار سندات قروض مؤمنة سيسهم بزيادة تنويع مصادر التمويل، “إذا تم تنفيذه بنجاح كما سيقلل تكلفة تمويل القطاع المصرفي”. وكان العاهل المغربي الملك محمد السادس قد أطلق في أكتوبر الماضي مبادرة تهدف إلى ضخ استثمارات إضافية تقدر بحوالي 50 مليار دولار في البلاد خلال السنوات الخمس المقبل. وستكون تلك الاستثمارات بالتعاون بين الحكومة والقطاعين الخاص والبنكي، بهدف توفير قرابة نصف مليون فرصة عمل جديدة حتى العام 2026. ربطت البنوك المغربية زيادة سقف تمويلاتها وخاصة للشركات الصغيرة والمتوسطة في البلاد بشرط امتلاك هذه المشاريع النضج والخبرة، في خطوة تزيد الضغوط على السلطات من أجل اعتماد معايير جديدة لإزالة هذه العقبة. ويأتي ذلك فيما تعهدت الحكومة بإطلاق إصلاحات جديدة تمكن من تحسين وصول الشركات إلى التمويلات من النظام المصرفي مع الرفع من برامج التمويل المخصصة لها للحفاظ على نشاطها واستقرار الوظائف التي تضمنها.
مشاركة :