ليس هناك أسوأ من انتخابات تجري وسط أزمة اقتصادية متفاقمة. هذا هو الحال في الولايات المتحدة، التي تسعى إدارتها الديمقراطية بكل الوسائل المتاحة لتجنب الحديث عن ركود اقتصادي محتمل في البلاد. فهي تعمل على تكريس توصيف «تباطؤ» الاقتصاد، لأنه أقل حدة من توصيفات على شاكلة انكماش أو ركود، إلا أن المؤشرات تدل في غالبيتها على أن الركود ليس بعيداً عن الساحة، بينما لا تبعد انتخابات التجديد النصفي، سوى أسابيع من الآن، في ظل انخفاض قياسي لشعبية الرئيس جو بايدن عند 36% فقط. فاهتمامات الناخب الآن، لا تخرج عن نطاق فواتير الغذاء والطاقة والإسكان، وهذا أمر طبيعي في مرحلة اقتصادية حرجة للغاية، لم تنفع معها (حتى الآن على الأقل) «مسكنات» الفائدة التي ترتفع تدريجياً في البلاد. التضخم بلغ أعلى مستوياته في الولايات المتحدة منذ أكثر من أربعة عقود، ومن المرجح أنه سيواصل الارتفاع حتى نهاية العام الحالي على الأقل، رغم وصول الفائدة التي يفترض أن تكبحه إلى 225 نقطة أساس. ماذا حدث؟ انخفض الناتج المحلي الإجمالي بمعدل سنوي 0.9% في الربع الثاني من السنة الجارية، مقابل توقعات بارتفاعه 0.5%. ما يعزز الاعتقاد أن تراجعاً آخر بنفس النسبة، سيُدخل حتماً الاقتصاد الأميركي في دائرة الركود. ومن الواضح، أن المجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي) ليس لديه بدائل سوى الاستمرار في تشديد السياسة النقدية. وهذا التشديد لم يعد في الواقع حكراً على الولايات المتحدة، فقد اضطرت البنوك المركزية الرئيسية في العالم إلى التخلص من سياسة التيسير الكمي، لمواجهة موجة تضخمية عاتية. يرى بايدن أنه لا توجد مفاجأة في تباطؤ الاقتصاد، وأن هذا الأخير على المسار الصحيح، وإذا ما استطاع حقاً أن يُبقي الركود بعيداً من الآن وحتى نهاية العام الجاري، فبإمكانه أن يعلن بعض «الانتصارات» على التضخم، خصوصاً مع مخططات «المركزي» لمواجهته برفع الفائدة مرتين على الأقل في الأشهر المتبقية من هذا العام. ماذا يعني ذلك؟ سيصل إجمالي تكلفة الاقتراض ربما إلى 3.4% أو 3.5% وهذا مستوى تاريخي للفائدة في بلد اتسمت سياسته النقدية على مدى عقود، بتكاليف إقراض تصل إلى الصفر تقريباً، خصوصاً في أعقاب جائحة «كورونا» التي فرضت تعميق سياسة التيسير الكمي، لاستعادة انتعاش غاب عن الاقتصاد العالمي ككل لمدة تزيد عن عام. الهم الأساسي للمشرعين الأميركيين حالياً ينصب على إبعاد «شبهة» الركود عن الساحة. فرغم أن تراجع الناتج المحلي الإجمالي حدث في فصلين متتاليين، إلا أنهم يقولون، إن الظروف الأوسع للركود لا تزال بعيدة التحقق، على اعتبار أن الإنفاق الاستهلاكي لا يزال قوياً، وسوق العمل تحقق بعض القفزات النوعية اللافتة. كل الاهتمام الآن، يتركز حول كيفية عدم خسارة الديمقراطيين في الانتخابات النصفية المقبلة. فأي خسارة ستعطل كثيراً من البرامج الاقتصادية «الشعبية» للإدارة الأميركية، ما ينعكس سلباً بالضرورة على الانتخابات الرئاسية المقبلة بعد عامين من الآن تقريباً.
مشاركة :