تميز مشروع جلالة الملك المعظم الإصلاحي، بأنه مشروع فريد من نوعه، وأنه استثنائي بالدرجة الأولى، وهو انعكاس لرؤية ثاقبة، لقائد فذ حكيم ذا بصيرة، وقدرة لاستشراف المستقبل، وامتلاكه شجاعة وجرأة في اتخاذ القرارات الصعبة. لقد أسهم المشروع الإصلاحي في تبني خيارات تطويرية لشتى الحقول المختلفة، السياسية والاقتصادية والاجتماعية والمؤسسية، ولقد تمثلت أولى المبادرات بعودة الديمقراطية من جديد، وإنشاء المجلس الوطني، وتكريس مبادئ العدالة والمساواة، والحكم الرشيد، وإنشاء العديد من المؤسسات الدستورية بالمملكة، وخيارات كثيرة، وهذا ما نحن بصدد الحديث عنه. لقد مثل المشروع الإصلاحي، عهداً جديداً لمملكة البحرين، ويمكن أن نقول (مملكة البحرين الجديدة)، لما أحدثه من طفرات نوعية متلاحقة، في شتى المناحي المختلفة، محققاً تطلعات المواطنين في دولة عصرية، متقدمة، وتوافر سبل العيش الكريم، وأن جلالة الملك المعظم، قد خط بهذا المشروع الرائد خطوات تقدمية رائعة في شتى الحقول، حتى صارت مملكة البحرين منارةً للتقدم والديمقراطية والتسامح الديني والتعايش السلمي. ومن مبادراته القيمة، والتي يشار إليها بالبنان، وصدرت الموافقة الملكية السامية بها، المرسوم بقانون بشأن العقوبات البديلة، فقد مثل هذا القانون نقلة نوعية كبيرة في علم العقوبات وفلسفة عصرية جديدة بشأن العقوبات. والحق، أن هذه الفلسفة الجديدة التي أرسى مبادئها جلالة الملك المعظم -حفظه الله ورعاه، تسير وفق التوجهات القانونية الجديدة في علمي الجريمة والعقاب، باستحداث منظومات عقابية غير تقليدية، كفيلة بالردع، حيث ثبت أن العقوبات التقليدية، قد لا تحقق الغرض المنشود في الردع، من هنا اتجه الفكر القانوني، إلى إيجاد ما يسمى بـ(بدال السجون)، عسى أن تكون كافية للغرض المنشود (الردع) وإصلاح وتأهيل المذنبين. لقد جاء المرسوم بقانون رقم (18) لسنة 2017م، فاتحة خير، لكثير ممن شملهم هذا المرسم بحقهم، وقد حقق كثيراً من الإنجازات الكبيرة، بثماره الممتازة، لذا بادرت الجهات المسؤولة، بالتوسع في تطبيقه، وتعديل ما يمكن تعديله، ليأتي بالثمار المرجوة. وقد جاء المرسوم رقم 24 لسنة 2021م، بتعديل المادة (13) من القانون رقم (18) بشأن العقوبات البديلة، ليكمل مسيرة الإنجازات العظيمة في التطور الحقوقي الحضاري لمملكة البحرين العظيمة. ولقد قامت الجهات المختصة، فور صدور القانون، بتنفيذ بنود التعديل، وأتت ثمارها بالإفراج عن العديد والكثيرين ممن تنطبق عليهم الشروط الأساسية، الذين عبروا عن ارتياحهم لهذا التطور العدلي الكبير لمملكة البحرين، آملين بالإفراج عن مزيد من هؤلاء، ممن تنطبق عليهم المواصفات. واعتبر كثير من المحامين والمشتغلين بالحقل العدلي أن هذه الخطوة تعبر عن الحس الإنساني لجلالة الملك المعظم، والمعاني الإنسانية النبيلة التي في قلب جلالة الملك، وهي خطوة متقدمة حضارية تؤسس لمفاهيم جديدة، في الفكر العقابي المعاصر، ولفتة كريمة ملكية سامية، في التطوير والتحديث في الحقل العدلي. وفي السعي الحثيث لمملكة البحرين نحو تطوير المؤسسات الرسمية لتأهيل المحكومين، فقد كان توجيه جلالة الملك المعظم، واهتمام وسعي صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الموقر -حفظه الله ورعاه، لتطبيق ما يسمى بـ(السجون المفتوحة)، كخيار تجديدي في منظومة مؤسسات (الإصلاح والتأهيل) في مملكة البحرين. وعلى ما يبدو، فإن السجون المفتوحة هي التي تخلو فيها عوامل الحراسة والإجراءات الأمنية والحواجز إلى الحد الأدنى، بما يؤدي إلى فسحة للنزلاء بممارسة الأنشطة بكل حرية وسلاسة بلا قيود. وعادةً في هذه السجون، يتم تلافي حبس النزلاء في زنازينهم، وهي خطة موفقة لتأهيل النزلاء، ويمكن الاستعانة بمعامل الورش، والتوسع في نطاق التدريب المهني والفني للنزلاء، لقضاء أوقاتهم فيما ينفعهم. ولحدٍ ما، فإن نظام السجون المفتوحة، مطبق بمملكة البحرين، إبان الفترات التي كانت السجون المركزية في جزيرة (جدة) غرب البحرين، وخاصة في ستينيات القرن الماضي المنصرم، وكان النزلاء طلقاء في الجزيرة، إضافة إلى ما يتمتع به النزلاء، من خدمات ثقافية بوجود مكتبة مركزية بها أمهات الكتب في شتى أنواع المعرفة، إلى جانب مراكز تدريب الحرف، وكانت السجون في تلك الفترات، بمثابة المدرسة أو الجامعة، يتخرج فيها النزلاء، ومن هؤلاء مثقفون وكتّاب ومؤلفون وأدباء وغيرهم. ويعد هذا التوجه، من لدن صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد الأمين رئيس الوزراء الموقر، بمثابة فلسفة جديدة عظيمة بامتياز، قادها سمو ولي العهد رئيس الوزراء، باقتدار، ولها مدلولات كثيرة، على صعد احترام حقوق الإنسان، والتحديث في برامج المؤسسات الإصلاحية، بما يؤدي إلى إعادة تأهيل النزلاء، بمواصفات طموحة وتؤدي الغاية التي وجدت من أجلها. إن الإدارة العامة لشؤون المؤسسات الإصلاحية بوزارة الداخلية، تقوم بأدوار مهمة بتعزيز حقوق الإنسان داخل المؤسسات، إلى جانب حزمة من التدابير الترفيهية والصحية حفاظاً على صحة النزلاء. ويولي معالي الفريق أول الركن الشيخ راشد بن عبدالله آل خليفة وزير الداخلية الموقر، اهتماماً خاصاً بشؤون المؤسسات الإصلاحية والتأهيل، من خلال زيارات معاليه لهذه المؤسسات، أو بتوجيهاته الموقرة، إلى تطوير خدمات النزلاء سواء من حيث سكنى النزلاء، والوجبات الغذائية، والرعاية الطبية. وكذا فإن معاليه، يرشد المعنيين من قيادة المؤسسات الإصلاحية والتأهيل وقيادة مراكز النزلاء، إلى تسهيل الزيارات الأسرية، وأداء الصلوات اليومية ودروس الوعظ والإرشاد، والمناسبات الدينية، وممارسة الشعائر الدينية، ويدعو دائماً إلى توفير الأجواء الترفيهية، وسبل ممارسة الرياضة، والفعاليات الثقافية، وتذليل الصعوبات التي يواجهها النزلاء، وسماع شكاواهم ومقترحاتهم وتنفيذها على الفور. وتطبق وزارة الداخلية، ممثلة بالإدارة العامة لشؤون المؤسسات الإصلاحية والتأهيل مجموعة المبادئ المثلى المتعارف عليها عالمياً، إضافة إلى المعايير الدولية في حقل السجون وأماكن الاحتجاز، طبقاً للعهود الدولية بحقوق الإنسان، والمواثيق العالمية لحقوق الإنسان. وتطبق العديد من الدول ظاهرة السجون المفتوحة، وخاصة الدول الاسكندنافية، ومنها الدانمارك، التي بها 8 سجون مفتوحة من أصل 13 سجنا. ويصنف النزلاء هناك بمعايير مخصوصة لدى دائرة معنية بمراقبة السلوك لتقرر مصير النزيل، من القضية في سجون مغلقة أو مفتوحة، أو خدمة اجتماعية. وفي دراسة بحثية رائعة لفهد يوسف الكساسبة بعنوان: (دور النظم العقابية الحديثة في الإصلاح والتأهيل)، يؤكد ما لبدائل السجون من دور كبير في الإصلاح والتأهيل، بعدما ثبت لحد ما عدم جدوى الأنماط التقليدية المتبعة. وتقول الدراسة، إنه اتضح أن بدائل السجون، وبعض النظم الإدارية الحديثة، في الإصلاح والتأهيل، قد حققت نتائج مذهلة وجيدة. نعود مجدداً الى لب حديثنا، فإن هذه التوجهات من قادة البلاد وعلى رأسهم جلالة الملك المعظم -حفظه الله ورعاه، إنما تعطي دلالة على المعاني الإنسانية الكبيرة لملك القلوب، وعلاوة على ذلك، فإن مكارم جلالته بالعفو، كثيرة وكثيرة. وما ألفناه من عادة جلالته في العيدين المعلومين، وحلول شهر رمضان الكريم، من مكرمة العفو، إنما تدل على اللفتات الأبوية الحنونة والحكيمة تجاه شعبه الكريم، فإنه جلالته حفظه الله ورعاه، الملك والأب الحاني والإنسان، القريب من شعبه الوفي، بل إن ذلك ينطلق من عيشنا جميعاً كأسرة واحدة، في ظلال الأمن والمحبة والعطف والحنان. لقد شكلت مكارم العفو السامية، وهذه اللفتات الملكية الأبوية الحنونة منطلقاً جديداً للفرح والسرور، ولبدء الحياة من جديد، وتصحيح ما حدث في لحظات غير عقلانية، قد تصيبنا جميعاً، لا سمح الله، وشد العزم لعدم تكرار ما حدث. ومكارم العفو الملكية السامية هذه تكون منسجمة مع المشروع الإصلاحي لجلالة الملك المعظم -حفظه الله ورعاه، أشد انسجاما. Sayedhotmail@gmail.com
مشاركة :