بزوغ "الرياض" الأول لم تكن "الرياض" كجريدة محلية هي الأولى من نوعها حين برزت على السطح في مشهد ثقافيٍ نوى أن يكون مختلفًا منذ قفزته الأولى، وخطواته الصغيرة بصرخة وطنٍ كان ينمو متسارعًا متلاحقًا بشتى المجالات. كما أنها لم تكن الوحيدة في إلقاء الضوء على قضايا الوطن المهم بين كل أوطان المنطقة يوم صدورها وخروجها من رحِم الرياض لتحمل هويتها واسمها وتكون مدفوعةً لما هو مُقدّرٌ لها. لم تكن إلا واحدةٌ من الجرائد التي تحمل كل أقسام الصحف الأساسية: كسياسية، واقتصادية، واجتماعية، ومحلية، ورياضية، وثقافية وخلافه.. عدا أنها اليوم وبعد ستة عقود تامّة تظهر وكأنها وحيدة فيما غيرها تأخرّ قليلًا عن التقدّم لظروف، أو تقلصت ملامح التجديد والابتكار لديها.. ولربما بقاء "الرياض" كجريدة صلبة في مواجهة التغيرات وأبيّة أمام كل التحديّات جاءت لتقول وبعد ستة عقود كل عبارات الامتنان والشكر للذين سندوها حتى هذه اللحظة وما زالوا وسيظلون يساندوها كلٌ في مجاله وتفانيه لإبقاء هذا الصوت الصحفي مُراسالًا ورقيًا كان أم إلكترونيًا، وصوتيًا كان أم مرئيًا صاخبًا وعاليًا ومعطاءً لمشاهد الوطن بكامل تنوعاته. علاقات وطيدة تبرز "الرياض" كجريدة مهمّة للقراء والكتّاب والمتابعين لحراكها الثقافي المستمر، فقد قال أستاذ الأدب والنقد بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية رئيس مجلس إدارة النادي الأدبي بالرياض سابقًا د. عبدالله الحيدري عنها وعن صلته بها: "بدأت صلتي بجريدة الرياض منذ وقت طويل، ربما في السادسة الابتدائية أو أوائل الدراسة المتوسطة، إذ كنت أشتري الجريدة بنصف ريال من مكتبة في شارع عسير بالرياض، واستمرت الصِّلة وتوثقت مع مرور الأيام وخاصة عندما التحقت بكلية الآداب بجامعة الملك سعود وأصبحت أراها يوميًا في مكتبة الجامعة، وتطلعت نفسي إلى النشر فيها عندما رأيت صفحة مخصصة للناشئة المبتدئين خاصة أنني أدرس في قسم اللغة العربية وآدابها، وكان يشرف على الصفحة الأستاذ عادل أديب آغا الذي كان يرد على رسائل القرّاء بلطف ويوجههم التوجيه الصحيح. وقد أرسلت له ببعض الخواطر والكتابات فنشرها في الصفحة عامي 1404 و1405هـ. وتمر الأيام وتزداد الصِّلة مع الجريدة، إذ شاركت فيما بعد في بعض الاستطلاعات وبكتابة بعض المقالات في سنوات متفرقة وغير منتظمة، كما كنت ضيفًا في حوار مطول أجراه الزميل بكر هذّال في زاوية (زيارة إلى مكتبة) عام 1442هـ، وأصر الزميل بكر على أن أكون أول ضيف في الزاوية، كما لقيتْ بعض مؤلفاتي اهتمامًا من لدن الجريدة فحظيت بالتعريف والتقديم للقراء الكرام في صفحة "زاد المعرفة" التي يشرف عليها الدكتور خالد الخضري". وأضاف في ختام حديثه عن هذه المناسبة: "أسوق هذه الخواطر في إطار احتفال هذه الجريدة العريقة التي تحمل اسم عاصمتنا الغالية بمرور ستين عامًا على صدورها، وهي مدة طويلة تدل على منجز صحفي كبير صنعه إداريون وصحفيون وصحفيات وكتّاب أوفياء وقراء مخلصون، وكل من عمل في الصحافة واقترب منها كاتبًا يعرف المعاناة اليومية والجهد المتواصل الذي لا يعرف التوقف لإصدار جريدة يومية منتظمة، وأجدها فرصة سانحة للترحم على رؤساء التحرير السابقين الذي صنعوا هذا المجد وهذا التألق للجريدة، ونشد على يد رئيس التحرير الحالي وكل العاملين معه من صحفيين وكتاب وإدارة، وإلى المزيد من العطاء والنجاح". مواكبة التنامي الحضاري والثقافي ولو عدنا لتلك المسافات البعيدة المترامية الأطراف بين الرياض كمنطقة وبين ما يبعد عنها أو ما يجاورها لوجدنا أنّ وصولها إلى الآخرين في وطنٍ كقّارة ليس أمامه غير أمرين: إما أن يكون قادرًا على الإقناع وجلب الإصغاء وإلا فالبديل موجود، وكانت طوال الستة عقود قادرة على بلوغ كل الناس.. وبين الرياض –وسطًا- والباحة –جنوبًا- معراج الذاكرة الذي بعث به الكاتب والقاص جمعان الكرت الذي خص "الرياض" بحديثه الشفّاف حول هذه المناسبة، إذ قال: "تمكنت صحيفة الرياض من مواكبة التنامي الحضاري الذي شهده الوطن خلال العقود الماضية في كافة المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والرياضية والثقافية، ومطالعتي لصحيفة الرياض منذ أن كنت طالبًا في جامعة الملك عبدالعزيز بجدة، إذ توفر الجامعة آنذاك كل الصحف السعودية في مكتبتها المميزة، وكانت فرصة تقدمها الجامعة للطلاب قراءة الصحف ومتابعة الأحداث بأنواعها، ومما يمكن القول بأن صحيفة الرياض متميزة بموضوعاتها وأخبارها وعناوينها وإخراجها والأقلام التي تستكتبها في صفحتها الشهيرة "الرأي"، وتجسرت علاقتي بصحيفة الرياض إذ أضحت إحدى أهم الصحف التي أتابعها وبشكل يومي حتى بعد انتقالي إلى منطقة الباحة لأكون أول مراسل لها في الباحة أنقل أخبار المنطقة، حيث شهدت منطقة الباحة كغيرها من مناطق المملكة حراكًا تنمويًا، واجتهدت في تقديم المادة الخبرية المزودة بالصور وكانت الطريقة في نقل الخبر الاتصال التلفوني أما الصور يتم إرسالها عبر البريد لتأتي مرحلة الاستفادة من التقنية الحديثة آنذك جهاز الفاكسميلي وهي خطوة متقدمة وسهلة وخدمت الصحف، في جميع الأحوال كانت صحيفة الرياض بجميع زواياها ومحتوياتها وصفحاتها متميزة وجاذبة ومشرقة وزادها ألقًا المقالة اليومية لرئيس التحرير الأستاذ تركي السديري تحت عنوان "لقاء"، وهي متنوعة جاذبة بأسلوب عذب مريح جمعت الأسلوبين الصحافي والأدبي، أما صفحة الرأي فكانت مميزة بالأقلام الواعية من كافة أنحاء الوطن العربي، بل كل مقالة تعد مادة بحثية عميقة وثرية، وهذا دليل على حرص الصحيفة استكتاب الأقلام المميزة محليًا وعربيًا، أما الزوايا والصفحات الأخرى فلم أنسَ غرابيل وأوراق محرر تلك النافذتين اليومية، وكذا الملحق الثقافي الذي سجل بصمة بيضاء ومشرقة. وهنا نهنىء صحيفتنا الرياض بمناسبة مرور 60 عاماً من عمرها المديد بإذن الله وستظل متألقة متجددة طوال عمرها تنقل مشاهد التطور الذي يشهده وطننا الغالي في المجالات كافة وعلى الصعد كافة". ذاكرة المثقفين وعلى لسان أحد الذين ساهموا في رسم مجالاتها الثقافية، وعاصروها في بدايات أوج مشهدنا الثقافي الدكتور سعد الثقفي الذي يرى فيها ذاكرة خالدة للمثقفين ووفية للباقين والسابقين والمُقبلين، حيثُ قال: "ثلاثة عقود مرتْ من عمري وأنا أمثّل هذا الصرح الشامخ "مؤسسة اليمامة الصحفية وبالتحديد "جريدة الرياض" الغراء. فمنذُ اللحظة الأولى اخترتُ القسم الثقافي، وبكلمة شرف من مدير التحرير الأستاذ سعد الحميدين -سلّمه الله-، عملتُ في القسم الثقافي مراسلاً ثقافياً. فأنّى توجهتُ، فلقد كنتُ أحملُ همَّ العمل الثقافي في كلِّ مكانٍ توجهتُ إليه؛ ففي تنقلاتي المختلفة وفي أسفاري كان (المسجّل) الصغير، وكاميرا (كوداك) لا تفارق يديّ، ولم استنكفُ يوماً عن هذا الواجب الثقافي الذي كنتُ أحملهُ وهو إنني أُمثّل جريدة الرياض. ولقد عهد إليّ الزميل والصديق سعد الحميدين بتحرير صفحاتٍ متعددة، ومن ذلك اعتزُّ كثيراً بتقديم كتب كثيرة وجديدة لقراء الرياض، مثل كتاب بنيامين نتنياهو وقت صدوره "مكان تحت الشمس". وشرفتُ بالعمل مع كوكبة من الصحفيين الأفذاذ، ومنهم الزملاء: عبدالعزيز الصقعبي، بدر الراشد، عماد العباد، وغيرهم كثر. وليسامحني من الزملاء من لم أتذكر اسمه. وعقدتُ حواراتٍ متعددة مع مثقفي الداخل والخارج. وشهدتُ تحولات المجتمع المتعددة على مدار نصف قرن. وكم من الشعراء والمبدعين الذين تقرؤون لهم الآن كان جواز مرورهم هو الرياض الثقافي أو ثقافة الخميس، واحتفظتُ بإرشيف القسم الثقافي منذُ 1413هـ وقبل تغلب الإنترنت على الإصدار الورقي. كان العمل في جريدة الرياض وبالذات في ملحقها الثقافي شغفاً لا يعدله أي شغف، وستبقى في وجداني مؤسسة عريقة قدّمت كثيراً وكثيراً لثقافتنا ومسيرتنا الثقافية". الانفتاح على الآخر وبين الرياض كعاصمة و"الرياض" كجريدة يمكننا الذهاب إلى آخر آيةٍ جنوبيةٍ في كتاب الوطن لنؤكد تلك العلاقة الوطيدة التي ربطت الوسط بكل مناطق وحواضن الثقافة بوطننا المتسع والمترابط بآنٍ واحد. وتحديدًا من جازان حيث قال الكاتب والناشر الإعلامي الأستاذ محمد المنصور الحازمي الذي يروي لنا اليوم حكاية وصول هذه الجريدة إليه ولغيره رغم كل الظروف مفتتحًا حديثه: "تظل الصحافة نبض المجتمع ومنه تنبثق كوادر ومواهب تنمى بالتجارب والخبرات المتراكمة، ولكل صحيفة خط سير وواجهة وتميز، وقد تميزت صحيفة الرياض بالحصافة والرزانة، لم تقتفِ نهج من سبقها بل بدأت بتدرج منطقي وانتشرت لتغطي مختلف مناطق المملكة، وكان شقيقي الأكبر علي - يرحمه الله - يتلقى تعليمه المتوسط في مدينة جيزان، يحضر معه جرائد يومية من ضمنها "الرياض"، أتذكر كنت حينها بالصف الثاني متوسط، وتمضي الأعوام. وانتقلت لمدينة "جيزان" لمواصلة الدراسة بمعهد إعداد المعلمين الواقع فيها، حيث نظل ننتظر الصحف لمتابعة أخبار الرياضة، حيث صحيفة الرياض تغطي المباريات التي تقام في العاصمة الرياض ببطولة المناطق الغربية والوسطى، منا من يشجع الاتحاد أو الأهلي، ومن يشجع النصر أو الهلال في أوائل التسعينات الهجرية، ونظل ننتظر بالمكتبة العقيلة وتقريبًا كانت الوحيدة التي تعرض مختلف الصحف أثناء عودتنا من المعهد بالغالب لم تكن وصلت ونسأل المكتبة بشوق عن صحيفة الرياض، نتلقى الرد أن رحلة الرياض الوحيدة تصل بعد الثانية ظهرًا، ونعود بعد العصر ولم يتبقى إلا القليل وأحيانًا وقد نفدت. وما ميز صحيفة الرياض ما كنت أتابعه من أخبار من إذاعات عربية أو لاحقًا قنوات فضائية أي خبر عن المملكة بسياق الخبر يسند إلى صحيفة الرياض. كذلك القسم الثقافي والأدبي. وأهنئ كافة كوادر صحيفة الرياض بمرور ستين عامًا على انطلاقتها". وختامًا نؤمن بتفاؤل وشغف أن جريدتنا "الرياض" ستبقى جريدة المثقفين بكل أطيافهم، وستستمر فاتحة أياديها لكل ما يخدم الثقافة، ليس كما كانت عليه في الستين عامًا الماضية فحسب بل أكثر اتساعًا من ذلك. سعد الحميدين جمعان الكرت د. عبدالله الحيدري د. سعد الثقفي محمد المنصور الحازمي
مشاركة :