تحولت عمليات بيع الوحدات السكنية على الماكيت إلى كارثة تهدد القطاع العقارى وأدت إلى ارتفاع أسعار العقارات بالمدن الجديدة ويتحمل مسئولية ذلك الشركات الكبرى والصغرى ووسطاء التمويل العقاري بالسوق. وعلى الرغم من خطورة تلك الظاهرة، إلا أنها تمارس تحت عين وبصر الدولة وبات من الضرورى التصدى لها بشكل سريع. ولن يتم مواجهة هذه الظاهرة إلا بطرح مزيد من الأراضى ومشاريع الإسكان المتوسط بأسعار سوقيه تعبر عن القيمة الحقيقة للأسعار. ورغم تلك المخاطر إلا أن أننا نركز على ظاهرة النصب باسم الاستثمار العقارى, ولعل الطرف الثانى من هذه المعادلة هو المواطن نفسه، خاصة وأنه طالما ظلت ظاهرة البيع على الماكيت قائمه, ستبقى كافة الشركات العاملة فى مجال التطوير العقارى، محل شك إلى أن ييثبت العكس. ولعملية البيع على الماكيت دور هان في إنعاش حركة السوق العقارى الذى يمثل قرابة 20% من إجمالى الناتج المحلى الإجمالى، سيما وهو مرتبط بقطاعات أخرى ولا أدل على هذا من مساهمته الرئيسية فى دفع عجلة النمو الاقتصادى خلال العام المالى 2014/2015 التى وصل فيها إلى 4,2%، بالمقارنة مع 2,2% بالعام المالى 2013/2014. ونتفهم تماماً أن إلغاء البيع على الماكيت من شأنه إحداث هزة قويه بالسوق العقارية ولكن إذا ما كانت تبعات الإبقاء عليه، ستؤدى للمزيد من التعثر والمزيد من المضاربة على الأسعار والمزيد من عمليات النصب، فعلينا أن نعيد النظر على الأقل فى القوانين واللوائح المنظمة لتلك العملية وذلك بوضع ضوابط محدده كما فعلت بعض الدول الخليجية التى حظرت البيع على الماكيت دون الحصول على إذن مسبق من الحكومة، بعد أن يمر الطلب بعدة مراحل للتأكد من جدية المشروع. ورغم هذا فإن دور المواطن نفسه هو الأهم فى هذه المعادلة، خاصة فى ظل القوانين الحالية وعقود الإذعان التى تتفنن فيها الشركات العقارية. وترصد الأحداث على الساحة حجم الأزمات التى يعانى منها آلاف المواطنين من عمليات نصب، إلى تأخر التسليم، إلى دور الدولة وكذلك أجهزة المدن الجديدة الذى يبدو انه غائبا تماما، ولكنها لم تشير من قريب أو بعيد عن دور المواطن نفسه في هذه الأزمة. خاصة وهو المستهدف من كل الشركات العقارية سواء فى مدينة الشروق أو فى كافة محافظات مصر. والحقيقة التى يبدو أنها غائبة عن البعض، أن المواطن أحيانا يتفنن فى خداع وإقناع نفسه حتى يسهل عملية النصب على الطرف الآخر. فكيف لمواطن مثلا أن يسعى لشراء وحده مخالفه وهو على يقين من ذلك؟, وكيف لمواطن مثلا أن يقبل على شراء وحده لا يقل سعر تكلفتها عن 150,000 جنيه بسعر 75,000 جنيه وبالتقسيط المريح كما كانت تعلن إحدى الشركات عن شاليهات بالساحل الشماالى؟. وكيف لمواطن أن يقبل على شراء وحده فى عقار لم تقام منه طوبه واحده؟، بل كيف للمواطن أن يواصل سداد أقساط أى وحده فى ظل استمرار تقاعس الطرف الثانى عن الالتزام ببنود تعاقده؟ والتساؤلات عديدة ولا حصر لها فى تلك النقطة. فبكل أسف، نظرا لعدم وجود أوعيه ادخارية مناسبة أو مشاريع إنتاجيه فى الدولة فى ظل حالة الركود الاقتصادى الذى تعانى منه البلاد، لم يعد أمام المواطن سوى ثلاثة أوعيه ادخارية أولها إيداع أمواله بالبنوك والاكتفاء بالفائدة، ثانيها الاستثمار فى العقار وثالثها البورصة. ونظرا لجهل وخشية الكثيرين بالأخيرة، كنتيجة طبيعيه للسمعة السيئة التى ساهمت فيها وسائل الإعلام المختلفة على مر العصور عن مفهوم البورصة، نجد الكثيرين يفضلوا الأولى والثانية. مع ملاحظة الاختلاف الكبير بين إيداع الأموال بالبنوك للحصول على عائد منعدم المخاطرة وبين الاستثمار فى العقار الذى يحمل جانبا من المخاطرة. ولذلك يتحتم على المواطن التعامل مع شراء العقار, كما يتم التعامل مع أى مشروع استثمارى، وذلك بدراسة متأنية وليس بمجرد إعلان فى الصحف أو على وسائل التواصل الاجتماعى، مع إغراء بتسهيلات أو انخفاض سعرى، ليتهافت الجميع على الشراء لمجرد اسم الشركة أو أن احد الأقارب أو المعارف اثنى عليها أو حتى بمجرد السؤال عنها عبر وسائل التواصل الاجتماعى. وإلا فعليه أن يتفهم فى حينها أن الشراء على الماكيت يحمل فى طياته العديد من المخاطر مهما بلغت سمعة الشركة، شأنه شأن الاستثمار بالبورصة، فالشراء على أسعار متدنية وتسهيلات طويلة، إنما يقابله معدل مخاطره مرتفعه، فمن لا يستطيع تحمل مثل هذه المخاطر، فينصح بعدم اختيار هذه النوعية من الاستثمار. وحتى إذا تحجج البعض بضعف السيولة المتاحة، فهذا ليس معناه على الإطلاق الدخول فى مغامرة محفوفة بالمخاطر وإنما يعنى شراء وحده أقل بسعر أقل. وحين يتفهم الجميع تلك الحقيق, سيتراجع الطلب بالفعل على ظاهره البيع على الماكيت ومن ثم، فلا خوف فى حينها من ارتفاع الأسعار الذى يتعلل به البعض حين يصل بمدخراته إلى السعر المطلوب للوحدة. فما يدفع الشركات على هذا التوجه، هى تلك الشراهة المبالغ فيها من الكثيرين فى الإقبال على هذه النوعية من المشاريع، ويدفعها كذلك على زيادة الأسعار, رغم أن المشروع نفسه قد لا يكون قد تم حفره من الأساس. أخيرا.. قد يغضب منا البعض، كما هى حالة مستثمر البورصة الذى دائما ما يلقى باللوم على الآخرين إلا نفسه حين يتعرض للخسارة ولكننا إذا أردنا مواجهة أنفسنا بالحقائق، فعلينا أن لا نغفل دور المواطن فى عملية النصب باعتباره شريكا أساسيا، بدلا من الاكتفاء بإلقاء اللوم والاتهام على الشركات والمسئولين والدولة، لأنه ببساطه طول ما الطماع موجود.. النصاب بخير.
مشاركة :