عنوان يبدو فى ظاهره بسيطًا وإجابته معروفة, لاسيما وأن مصر ليست من الدول المنتجة والمُصدرة للنفط، والاقتصاد المصرى يتميز بكونه اقتصاد متنوع، لا يعتمد بشكل رئيسي على مصدر واحد كما هو الحال فى معظم الدول الخليجية. أضف إلى ذلك أن الحكومة المصرية تدعم أسعار الطاقة، وبطبيعة الحال أى انخفاض فى الأسعار يصب فى مصلحة الدولة، حيث يمكن توفير تلك المخصصات لبنود أُخرى، مما يعنى أننا مستفيدون من الانهيار الذى تشهده أسعار النفط. ولكن بالحسابات المنطقية، تراجع أسعار النفط ليس بتلك الإيجابية التى يظنها الكثيرين، لاسيما إذا ما قارنا بين إيجابياته وسلبياته. فإذا ما رصدنا أولا أهم الإيجابيات، فستتمثل فى انخفاض دعم الطاقة، حيث بلغ إجمالية فى موازنة 2015/ 2016 قرابة 93 مليار جنيه، منهم 61 مليارا لدعم المواد البترولية عند سعر 70 دولارا لبرميل خام برنت, وبطبيعة الحال, انخفاض أسعار النفط إلى 35 دولاراً للبرميل, نتج عنه تراجع مخصصات الدعم للمواد البترولية بما لا يقل عن 35 - 40% فى المتوسط. ولكن إذا ما وضعنا فى الاعتبار, عدم قدرة الدولة أصلاً على توفير احتياجات المصانع من الطاقة حين كانت الأسعار تدور حول 100 دولار للبرميل فى ظل مخصصات 100 مليار جنيه فى موازنة 2014/2015. يكون من المنطقى الاستفادة من تراجعها, فى زيادة الكميات لتوفير الطاقة للمصانع, وهو ما يعنى أن الوفر لم يكن على شكل سيولة نقدية, وإنما على شكل سداد احتياجات كانت الدولة عاجزة عن توفيرها. عدا عن إيجابية أخرى تمثلت فى تأجيل البرنامج الحكومى لرفع دعم الطاقة كلياً التى كانت تعتزم الدولة تطبيقه خلال 3 - 5 سنوات, حيث كان من المتوقع أن يتبعه ارتفاع آخر فى معدلات التضخم. أما إذا نظرنا على السلبيات, فأهمها يعود بالأساس لارتباط الاقتصاد المصرى بدول الخليج المنتج الأكبر للنفط على مستوى العالم وصاحب أكبر احتياطى عالمى من النفط (487 مليار برميل). والارتباط ليس مقصوراً على حجم المنح والدعم, ولكن على حجم التبادل التجاري والاستثمارات الخليجية بمصر, وتحويلات العاملين بمنطقة الخليج, فهم وحدهم يشكلون 70% من حجم المصريين العاملين بالخارج, الذى يبلغ عددهم قرابة 8 مليون مصرى, نصفهم بالسعودية. وتصل إجمالي تحويلاتهم للداخل قرابة 14 مليار دولار من أصل 20 مليار دولار هى إجمالي تحويلات المصريين بالخارج خلال عامى 2014/2015, أى ما يقارب على 120 مليار جنيه. أما المنح والمساعدات التى قدمتها الدول الخليجية لمصر, فقد وصلت فى أعقاب ثورة الثلاثين من يونيو إلى قرابة 23 مليار دولار, بخلاف ما أعلنت عنه الإمارات والسعودية والكويت خلال المؤتمر الاقتصادى بشرم الشيخ. عدا عن حجم الاستثمارات التى تتجاوز 16 مليار دولار للسعودية والإمارات والكويت, وكل المؤشرات كانت تدل على استمرار الدعم الخليجي, ولكن فى شكل ضخ المزيد من الاستثمارات كما كان الحال خلال الفترة من 2003 إلى 2008 التى شهدت تسارعاً كبيراً فى حجم الاستثمارات الخليجية نتيجة ارتفاع الفوائض النفطية, وكانت أحد أهم أسباب ارتفاع معدلات النمو والتشغيل بمصر خلال تلك الفترة. ومما لا شك فيه أن الدول الخليجية تملك احتياطات ضخمة تمنحها القدرة على التعايش مع تراجع أسعار النفط حتى 5 سنوات فى بعض الدول, ولكن المراقب لحركة الحكومات الخليجية, سيتضح له اتخاذ بعض الدول لإجراءات اقتصادية صعبة بشأن الإنفاق العام, حيث بدأ التفكير فى فرض الضرائب, وخفض الدعم على الطاقة, والتوسع فى ملف الخصخصة. فيما بدأت السعودية فى السحب من الاحتياطات التى تتجاوز 730 مليار دولار للمرة الأولى منذ عام 2009 بما يقارب على 80 مليار دولار, عدا عن طرحها لسندات بقيمة 5,3 مليار دولار للمرة الأولى منذ عام 2007 لتمويل عجز الموازنة الذى بلغ مستوى قياسى عند 98 مليار دولار, وهذا كله ناتج من انهيار أسعار النفط, ناهيك عن ارتفاع تكلفة الحرب فى اليمن. ولم يكن مستغرباً أن تتعالى الأصوات فى الخليج بضرورة ترشيد الإنفاق الحكومى, لاسيما فى المنح والمساعدات المقدمة للدول الأخرى فى ظل الأزمة الطاحنة التى تواجهها تلك الدول. وهو ما يعني تراجع متوقع فى حجم الاستثمارات الخليجية خلال السنوات القادمة والتى كانت تعول عليها الحكومة بشكل كبير, حيث تحتاج مصر سنوياً إلى قرابة 30 مليار دولار, نصفهم على الأقل للاستثمارات للوصول لمعدل نمو 3 - 5%. ومن هذه المقارنة البسيطة, يمكن استنتاج أن سلبيات تراجع أسعار النفط على الاقتصاد المصري أكبر أثراً من إيجابيتها, بل وقد تكون أشد ضرراً من دول الخليج نفسها, نظراً لما تملكه الأخيرة من احتياطات تدعمها, حتى وإن كان هذا الأثر لم يظهر بشكل كبير حتى الآن. ولكن المؤكد أن استمرار الوضع على ما هو عليه يحتم علينا ضرورة التحوط باتخاذ إجراءات احترازية مسبقة, ليس فقط بسبب الانهيار الحالى للأسعار, ولكن بسبب التباطؤ الحاد الذى تعانى منه منطقة اليورو وكذلك الاقتصادات الناشئة وعلى رأسها الصين, بما يهدد ببقاء أسعار النفط حول مستوياتها المتدنية لفترة ليست بقصيرة. وأهم تلك الإجراءات التي يجب اتخاذها فوراً: - ضرورة اتباع سياسات تقشفية على مستوى الإنفاق الحكومى. - التوقف مؤقتاً عن المشاريع القومية التى تستنزف السيولة من السوق, لاسيما وأن عائداتها لن يشعر بها المواطن قبل سنوات من الآن. - الإسراع فى تحرير سعر الصرف, حيث إن الإبقاء على سياسة دعم قيمة الجنيه فى ظل تراجع الفوائض الخليجية ينذر بانهيار مفاجئ للعملة كما حدث ببعض دول أمريكا اللاتينية والمكسيك. ## ##
مشاركة :