تسببت الإجراءات والضوابط الجديدة للبنك المركزى المصرى فى حالة من الجدل واللغط بمجتمع المال والاعمال، حيث اعتبرها البعض ذات آثار سلبيه خطيرة على العديد من القطاعات، وأهمها سوق المال وقطاع السيارات والقطاع العقارى وكافة القطاعات التى تعتمد بشكل رئيسى على التمويل. فيما اعتبرها البعض الأخر، خطوه جيده نحو خفض الانفاق الاستهلاكى وتحويل دفة التمويل البنكى لمشاريع إنتاجيه، وبشكل خاص المشاريع الصغيرة والمتوسطة تنفيذا لتعليمات الرئيس السيسى، الذى وعد فى خطابه الأخير بتوجيه 200 مليار جنيه لدعم هذا القطاع بفائدة 5%. ولكن المؤكد حقيقة، أن تلك الإجراءات لم يتم دراستها بشكل متأني، شأنها شأن الإجراءات الاحترازية بوضع حد أقصى على الإيداع بالعملة الأجنبية، والتى تحمل من السلبيات ما هو أشد ضرراً على مناخ الاستثمار من ايجابياتها. وبالنظر على تلك الضوابط، سيتبين إنها قد انصبت حول إعادة هيكلة نسب التمويل لدى البنوك العامله بغرض توجيهها لدعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، خاصة ما يتعلق بخفض نسب التمويل للعميل الواحد إلى 15% من المستوى الأول لرأسمال البنك مقارنة بنحو 20% قبل التعديل، والعميل والأطراف المرتبطة به من 25% إلى 20% فقط، من المستوى الثاني لرأسمال البنك. وهو ما يعنى دفع البنوك نحو خفض نسب الإقراض للشركات والمؤسسات الكبرى الداعمة للاقتصاد القومى، سواء بزيادة إجمالى الناتج المحلى أو بتوفير فرص عمل، فى مقابل توجيه تلك الفوائض لدعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة التى لم تنشأ حتى الآن ولم تعلن لها أى دراسات جدوى اقتصاديه. واشتملت الضوابط كذلك على إلزام البنوك بعدم تجاوز إجمالي أقساط القروض الاستهلاكية للعميل بما فيها البطاقات الائتمانية والقروض الشخصية وقروض شراء سيارات نسبة 35% من إجمالي الدخل الشهري بعد استقطاع الضرائب والتأمينات الاجتماعية، بعد أن كانت تصل فى بعض البنوك إلى 60% من إجمالى الدخل الشهرى للعميل. وهو قرار الغرض منه خفض تمويل الإنفاق الاستهلاكي على الرغم من أهميته الكبيرة فى دعم معدلات النمو الاقتصادى، وذلك فى صالح توجيه تلك الفوائض الناتجه عن هذا الخفض لتمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة. وتلك النقطة تحديدًا لها أكثر من هدف، وأهمها كبح جماح معدلات التضخم الناتج من ارتفاع الإنفاق الاستهلاكي، بالإضافة إلى خفض الطلب على السلع الاستهلاكية مثل السيارات والسلع المعمرة وغيرها بغرض تقليل فاتورة الاستيراد بشكل غير مباشر، ودعم قيمة العملة المحلية، بالتوازى مع القرارات الأخيرة حول تنظيم الاستيراد. وهو ما يعنى سياسه انكماشيه تتماشى مع رفع أسعار الفائدة على شهادات الادخار 12،5% والتى تسببت فى حجز قرابة 100 مليار جنيه حتى الان كودائع بالبنوك. كما اشتملت القرارات ايضا على خفض الحد الأقصى لإجمالي حجم الأموال المستثمرة في مجموع صناديق أسواق النقد وصناديق الدخل الثابت التابعة للبنك إلى 2،5% من إجمالي ودائع البنك بالعملة المحلية بدلا من 5%. وقد يكون هذا القرار الأكثر إيجابية فى كل القرارات، كونه يشير إلى تراجع حجم الأموال المستثمرة فى أذون وسندات الخزانة، فى صالح توجيه تلك النسبة لدعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، والتى يهدف المركزى لوصولها إلى نسبة 20% من حجم محفظة الائتمان لدى البنوك خلال أربعة سنوات. ونحن إذ نتفهم تماما تلك التوجهات التى تهدف لدعم العمله المحليه وخفض معدل التضخم والضغط على فاتورة الواردات. ولكننا نتساءل عن أثارها الاقتصادية، سيما وأن الاقتصاد المصرى يعانى من تباطؤ وأضح فى معدلات النمو، وانكماش حاد فى كافة القطاعات، سواء بسبب التضييقات الحكومية والسياسات النقدية الأخيرة، أو حتى بفعل تباطؤ النمو العالمى. فتلك القرارات من شأنها أن تؤدى للمزيد من الركود، فى قطاعات عده، وكان من الأجدر تحريك سعر الصرف، بدلًا من كل هذه الإجراءات الانكماشية الحادة. فالبورصة المصرية كانت أول ضحايا تلك القرارات، سيما وهى التى كانت تعانى أصلا من التأثير السلبى لتراجع البورصات العالمية وانهيار أسعار النفط، وذلك بفقدانها قرابة 45 مليار جنيه من قيمتها السوقية بجلسات الأسبوع الماضي، حتى وإن نفى محافظ البنك المركزى هذا الأمر، فهو يعلم تماما الهدف من قراراته، ويعلم أيضا مفهوم واثر السياسة الانكماشية على أسواق المال. ولا أدل على هذا من تصدر البورصة المصرية لكافة الأسواق على مستوى العالم فى تحقيق أعلى نسبة تراجع خلال الأسبوع المنقضى بلغت 13،7%، فى حين لم تتجاوز نسب التراجع بالأسواق العالمية 3 - 4%، باستثناء الصين التى تراجعت بحوالى 9،5%. ناهيك عن كون هذه القرارت تهدف لدعم مشاريع لا توجد لها أى دراسات جدوى على أرض الواقع، فى الوقت الذى تهدد فيه مشاريع كبرى ومؤسسات ضخمه تدعم الاقتصاد القومى بنقص التمويل بدعوى توزيع معدل المخاطرة بدلًا من تركزها فى عدد قليل من العملاء. فأيهما أولى للقطاع المصرفي، إقراض عدد محدد من العملاء لهم مشاريع قائمه على أرض الواقع وتحقق نمو وربحيه منتظمة، وملتزمة فى السداد، أم الدخول فى مغامرة محفوفة بالمخاطر، بتمويل عشرات الآلاف من الأشخاص بقروض صغيرة. فالحقيقة أن كل الشواهد تؤكد على أن المركزى لا يرى أمامه سوى العملة المحلية وسبل دعمها بأى وسيله، بهدف كبح جماح الغضب المجتمعى، بالإضافة إلى بحثه عن فوائض تمويليه لتوفير مبلغ الـ 200 مليار جنيه، دون النظر إلى الآثار الكارثية التى قد تتسبب فيها هذه القرارات. وأكاد أجزم من الآن، أن عواقبها وتبعاتها لن تختلف كثيرًا عن العواقب التى آلت إليها الإجراءات الاحترازية، والتى كانت تهدف أيضا لدعم العملة المحلية.
مشاركة :