إذا ما استخدمنا جزءا فقط من التباين في مستوى التحصيل الناتج عن قوة مؤسسات النظام المدرسي، مثل تدابير المساءلة القوية أو وجود عدد أكبر من المدارس للاختيار فيما بينها، نجد العلاقة نفسها بين التحصيل الدراسي وتسارع معدلات النمو، ما ينفي فكرة أن تحسن مستوى التحصيل الدراسي يعكس عوامل محذوفة خارج النظام المدرسي. وتوصلنا أيضا إلى أن الدول التي تسجل تحسنا في مستويات التحصيل الدراسي بمرور الوقت تتحسن معدلات نموها لاحقا، ما يمكن معه استبعاد وجود عوامل ثقافية أو مؤسسية محتملة محذوفة. وللحديث عن وضع بيئة التعليم العالمية دائما ما كان من الصعب على مر التاريخ رصد النجاح في قطاع التعليم. وتم استحداث اختبارات التحصيل الدراسي الدولية للمرة الأولى خلال الستينيات ـ وتشارك فيها حاليا جميع الدول الثرية بصفة منتظمة ـ لكن معظم الدول الفقيرة لم تشارك فيها مطلقا. وتم استحداث مجموعة من الاختبارات الإقليمية الموازية، وإن كانت لا ترتبط بصورة مباشرة بالاختبارات الدولية الأوسع نطاقا. ومعظم الاقتصادات، بما في ذلك الاقتصادان الأكبر من حيث عدد السكان، لا تصدر عنها بيانات دورية عن نتائج الطلاب. ويغطي أحدث أبحاثنا مختلف اختبارات التحصيل الدراسي الدولية والإقليمية. ويرصد البحث الاتجاه العالمي للتحصيل الدراسي والمهارات بدقة كافية، وإن ظل مشوبا بقدر من عدم اليقين، لاستطلاع مدى التقدم الذي أحرزه العالم نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة. ونعرف المهارات الأساسية بأنها المهارات اللازمة للمشاركة المنتجة في الاقتصادات الحديثة. ومن منظور عملي، نفترض أن إتقان هذه المهارات يتحقق بإجادة المستوى المهاري الأدنى من المستويات الستة لبرنامج التقييم الدولي للطلاب ـ أي مهارات المستوى الأول من البرنامج. ويستطيع الطلاب في هذا المستوى تنفيذ خطوات روتينية واضحة بناء على تعليمات مباشرة، لكنهم لا يستطيعون استخلاص استنتاجات مباشرة أو استخدام القواعد الأساسية بصورة دقيقة لحل مسائل بسيطة مكونة من أعداد صحيحة. وتعد هذه المهارات الأساسية شرطا أساسيا لا للمشاركة في المجتمعات الحديثة فحسب، لكن للتعلم طوال الحياة الذي أصبح ضرورة في عالم دائم التغيير. ويعكس تحليلنا نتائج مثيرة للقلق. فثلثا شباب العالم أو يزيد يعجزون عن بلوغ المستويات المهارية الدنيا اللازمة للمنافسة في الاقتصاد الدولي. وتنتشر هذه الظاهرة عالميا، لكنها أكثر حدة على الإطلاق في الدول الأكثر فقرا. وفيما يلي ست حقائق مبسطة تلخص التحديات الإنمائية الناجمة عن العجز العالمي في المهارات الأساسية: • ما لا يقل عن ثلثي شباب العالم لا تتوافر لهم المهارات الأساسية. • نسبة الشباب الذين لا تتوافر لهم المهارات الأساسية تتجاوز النصف في 101 بلد، وتزيد على 90 في المائة في 37 بلدا من هذه الدول. • حتى في الدول مرتفعة الدخل، يفتقر ربع الشباب إلى المهارات الأساسية. • عجز المهارات يصل إلى 94 في المائة في إفريقيا جنوب الصحراء، و90 في المائة في جنوب آسيا، بينما تصل النسبة إلى 70 في المائة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، و66 في المائة في أمريكا اللاتينية. • على الرغم من أن فجوة المهارات تكون أكثر وضوحا على الإطلاق بين ثلثي شباب العالم الذي تخلفوا عن التعليم الثانوي، إلا أنه يعجز 62 في المائة من طلاب التعليم الثانوي حول العالم عن بلوغ المهارات الأساسية. • نصف شباب العالم يعيشون في الدول الـ35 غير المشاركة في الاختبارات الدولية، ما يؤدي إلى عدم توافر معلومات دورية عن الأداء في المراحل الأساسية. كلما تحسنت مهارات الأفراد، ارتفعت دخولهم على مدار حياتهم. وسيكون التأثير الكلي أكبر كثيرا. أما الدول الأكثر احتياجا، فنراها تسير على غير هدى بالطبع، دون أي معلومات حول مستويات التحصيل الدراسي لطلابها في الوقت الحالي. وينبغي أن تضع المنظمات الإنمائية الدولية اختبارات دورية وفق المعايير الدولية في جميع دول الجنوب، على أن يكون محتوى هذه الاختبارات مناسبا للأطفال الذين يجدون معاناة في بلوغ المستويات الأساسية. وهذه الاختبارات الدولية التنافسية ستتيح لصناع السياسات معلومات أفضل بما يمكنهم من تركيز طاقاتهم وتصميم سياسات ملائمة، وتحديد مدى نجاحها.
مشاركة :