في أول تعليق لها على مآلات خطة العمل المشتركة الجديدة، تلك التي تعرف كذلك باسم الاتفاق النووي الجديد، بين إيران والقوى الخمس الدولية، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لابيد، إنه اتفاق سيئ، وأن تل أبيب تعارضه لأنه يعطي طهران امتيازات بالجملة، كما دعا زعماء العالم الغربي للابتعاد عن المفاوضات بشأن العودة إلى الاتفاق، وعدم المضي قدما في إكمال المسيرة التصالحية الأمريكية – الإيرانية. هل فشلت إذن التطمينات الأمريكية في تهدئة مخاوف تل أبيب؟ يمكن القطع بأن ذلك كذلك قولا وفعلا، وأن معركة شرسة تجري وراء الكواليس بين الحليفين الوثيقين، بل واللصيقين، معركة تحاول فيها إسرائيل إقناع الولايات المتحدة الأمريكية، بعدم التوقيع، أو في أسوا الأحوال تأجيله إلى ما بعد الإنتخابات الحكومية الإسرائيلية في نوفمبر تشرين الثاني المقبل. أسئلة عديدة تطرح ذاتها بذاتها في هذه المواجهة، وتبدأ من عند موقف حكومة لابيد، وهل يمكنها أن تكرر مواقف حكومة نتانياهو غداة اتفاق 2015، والذي كلف إسرائيل فتورا في العلاقات مع واشنطن، وتمضي لجهة البحث عن سيناريوهات إسرائيل المحتملة، وصولا إلى تأثير الأزمة الإيرانية على مدى قوة ومتانة العلاقات الإسرائيلية الأمريكية، والعديد من الإسئلة البينية في خضم النقاش. بداية يمكن القطع بأن مشهد الاتفاق النووي للعام 2015، يختلف كثيرا جدا عن المشهد الحالي، فالمشروع الإيراني النووي قد قطع أشواطا بعيدة في السير نحو امتلاك القنبلة النووية، لا سيما بعد مقدرة إيران على الوصول إلى يورانيوم مخصب بنسبة ستين في المائة. الأمر الآخر، هو امتلاك الإيرانيين لأجهزة طرد مركزية متقدمة، سيكون من المستحيل التخلي عنها، الأمر الذي يفيد بإن الإقتراب من تخصيب اليورانيوم، يمكن أن يقترب من مستوى التسعين في المائة اللازمة لحيازة أسلحة الدمار الشامل. عطفا على ذلك فإن السعي الإيراني لجهة امتلاك أدوات القوة، لم يعد متوقفا عند حدود البرنامج النووي، فقد طفت على السطح ثلاث معضلات، كلها كفيلة بدفع المواجهة الإسرائيلية – الإيرانية إلى العمق. أولا، البرنامج الصاروخي الإيراني التقليدي، وهذا قد ذهب في مسافة بعيدة، لا سيما النوعيات الباليستية منه، وقد رأى العالم الإستخدام سيئ السمعة لتلك الصواريخ، عبر ميليشيات الحوثي اليمنية، والتي إستخدمتها في الهجمات على المصالح والأعيان السعودية في العامين الماضيين على نحو خاص. ثانيا، البرنامج الصاروخي الفضائي، وهذا كفيل بإزعاج إسرائيل بنوع خاص، والتي تعتمد على تفوقها في هذا السياق، فمثل تلك الصواريخ يمكنها إصابة أقمار إسرائيل الإصطناعية في مداراتها الفوقية، عطفا على التجسس على المنشآت الإسرائيلية والمواقع العسكرية الخاصة بها. ثالثا، باتت إيران اليوم منتجا مثيرا للقلق على صعيد الطائرات المسيرة بدون طيار، الدرونز، وليس أدل على خطورة امتلاكها هذا النوع من الأسلحة بالنسبة لإسرائيل، من تهديد حزب الله في جنوب لبنان، والذي يعد ميليشيا إيرانية بإمتياز، بإستخدامها في مهاجمة آبار الغاز في المناطق المتصارع عليها مع لبنان، ناهيك عن إمكانية وصولها إلى غزة، وما يعنيه ذلك في أوقات الأزمات والمواجهات المسلحة التي لا تنفك تشتعل يوما تلو الآخر مع المقاومة الفلسطينية. هنا التساؤل الجوهري والاستراتيجي: “هل سيصبر قادة إسرائيل على إيران طويلا، أم أن تصريحات رئيس الوزراء لابيد، والتي قال فيها إن بلاده ستتحرك لمنع تحول إيران لدولة نووية، تفيد بوجود خطط إسرائيلية جاهزة، ولا ينقصها سوى التنفيذ لتغيير المشهد، هذا إن كان في قدرتها بالفعل التغيير، وإن لم يكن قد فات الميعاد من الأصل؟ في كل الأحوال وقبل محاولة تقديم إجابات عن الإسئلة المتقدمة، يتعين القول أن إدارة بايدن تسعى جاهدة لتحقيق نصر سياسي بأي ثمن من خلال تلك المباحثات، عل ذلك يحسن من موقعها وموضعها في أعين الأمريكيين، وبخاصة على عتبات إنتخابات التجديد النصفي للكونجرس، حيث الديمقراطيون تبدو عليهم علائم الضعف في الحال، ومرشحين كذلك لخسارة كبرى في الإستقبال. من هنا يمكن تفهم ما كشفت عنه صحيفة ” تايمز أوف إسرائيل “، نقلا عن القناة ” 13 ” الإسرائيلية، من أن واشنطن ردت على طلب تل أبيب بإجراء محادثة هاتفية “طارئة ” بين لابيد وبايدن، بأن الرئيس الأمريكي في عطلة. هل الصدام الأمريكي – الإسرائيلي سوف يستبق المواجهة الإسرائيلية الإيرانية ؟ الشاهد أنه في الأيام الأخيرة، كان مقر الأمن القومي الإسرائيلي، يعمل كخلية نحل، وقد غادر وزير الدفاع غانتس نهار الخميس متوجها إلى واشنطن، رغم أنه ليس من المتوقع على الإطلاق أن يلتقي وزير الدفاع الأمريكي الجنرال لويد أوستن لأنه خارج واشنطن، كما قيل للمسؤولين الإسرائيليين. هنا تبدو واشنطن في خلاف أولويات مع تل أبيب، ما يجعل التساؤلات تدور من جديد حول مدى إلتزام الجانب الإسرائيلي بالتوجهات الأمريكية، أو وضع العصا في دواليب الاتفاقية وتفخيخها، ما يعني خروج العلاقة عن مسارها التحالفي والتضامني الذي سارت عليه لثمانية عقود، وإن كان من الصعب القطع بالمدى الذي يمكن أن يصل إليه الخلاف. في هذا السياق ليس سرا القول أن إسرائيل تدرك أنه عند نقطة بعينها يمكن أن يحدث خلاف جذري مع الولايات المتحدة الأمريكية، ولهذا فإنها تنسج شبكة من العلاقات مع الصين على نحو خاص، وروسيا بنوع عام، والتعاون بين تل أبيب وبكين يزعج واشنطن وقد تشكت منه من قبل عدة مرات وبشكل رسمي. في كل الأحوال يمكن لإسرائيل، والتي لها عيون وآذان في داخل إيران، أن تعاود هجوماتها السيبرانية، وعمليات الإغتيالات للقيادات العلمية الإيرانية، لا سيما التي تقود البرنامج النووي. ماذا سيكون رد الفعل الإيراني ؟ هل ستصمت طويلا كما في المرات السابقة، أم أنها سترد مباشرة و عبر وكلاءها في المنطقة؟ تبقى السيناريوهات مفتوحة، والقارعة الكبرى محتملة، مع الأخذ في عين الإعتبار أن الإيرانيين قد وعوا درس المفاعل النووي العراقي في ثمانينات القرن المنصرم، ولهذا فإن كل منشأة نووية لديهم يوجد لها رديف، الأمر الذي يجعل فكرة القضاء على برنامج إيران النووي مرة وإلى الأبد فكرة من الماضي… هل حقا فات الميعاد؟
مشاركة :