إميل أمين يكتب: تل أبيب- طهران.. حديث القارعة

  • 3/23/2021
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

يوما تلو الآخر تتعزز شكوك تل أبيب تجاه برنامج إيران النووي، ولم تعد المخاوف قاصرة على خفايا وخبايا طهران في مفاعلاتها غير المعروفة، بل امتد المشهد إلى العديد من التهديدات الأخرى، وفي مقدمها صواريخ الملالي الباليستية، والتي يمكنها أن تطال إسرائيل بسهولة كبيرة، ناهيك عن السطوة الإيرانية القائمة والقادمة في مياه الخليج العربي، والبحر الأبيض المتوسط، وحديث التعرض للناقلات بين الجانبين لا يزال مشتعلا. إلى  أين تمضي المقادير من تل أبيب إلى طهران؟ الشاهد أنه لا يمكننا الجواب عن علامة الاستفهام المتقدمة، من غير التوقف عند مسار آخر، ألا وهو العلاقات الإسرائيلية– الأمريكية في ظل إدارة جوزيف بايدن الديمقراطية، والتي تلعب فيها  الكتلة التقدمية داخل الحزب، غير المنقادة بالمطلق وراء شهوات قلب إسرائيل، دورا بالغا في تشكيل البنية الهيكلية للعلاقات بين البلدين، خلال السنوات الأربع القادمة.. ماذا عن تلك العلاقة؟ يمكن القطع أنه ورغم المكالمة الطويلة التي جرت بين بايدن ونتنياهو، إلا أن ساكن البيت الأبيض يختلف شكلا وموضوعا عن سلفه، دونالد ترامب، الرجل الذي أعطى  إسرائيل ما لم يعط أي رئيس أمريكي سابق، وبخاصة بعد اعترافه بالقدس عاصمة أبدية لإسرائيل، ونقله السفارة الأمريكية إلى القدس. في هذه الأجواء يتساءل المراقبون: “هل يمكن أن يكون مصير البرنامج النووي الإيراني مشابها لما جرى لسابقه العراقي؟ منطلق التساؤل هنا قائم على عدم ثقة إسرائيلية واضحة في إدارة بايدن، لا سيما وأنها تسارع الزمن للتوصل إلى اتفاق جديد مع إيران، في حين تتلاعب الأخيرة بمقدرات الأمريكيين. يدرك الإسرائيليون هدف إيران البعيد، وما القنبلة النووية التي يسعون في طريقها سوى الأداة التي تمكنهم من هذا الهدف، وهو أن يكونوا المكافئ الموضوعي للقوة الإسرائيلية في الشرق الأوسط. وتعلم تل أبيب علم اليقين، وبخاصة من خلال المستندات التي استولت عليها من قلب طهران قبل نحو عامين، أن إيران تبطن بخلاف ما تظهر، وأنها تسوف الوقت، وتكتسب كل يوم مربع قوة جديدا على الأرض، بل أنه حتى إذا رجعنا إلى  الاتفاق النووي القديم 2015، لن نجد أكثر من مهلة من الوقت، قبل أن تمضي طهران من جديد، عام 2025، وبعدما تكون قد اكتسبت من الخبرة العلمية، ما يجعل سلاحها النووي جاهزا للخروج إلى النور، ناهيك عن بقية أدوات الهمينة في المنطقة من صواريخ، وقطع بحرية، وهاكرز قادرين على اختراق شبكات المعلومات في المنطقة، لا سيما وأنهم فعلوا ذلك مع الولايات المتحدة الأمريكية في الانتخابات الرئاسية الماضية، وهو ما أشار إليه تقرير الاستخبارات الوطنية الامريكية منذ أسبوع. تبدو تل أبيب في ظل هذه الأجواء أمام تحد مصيري، وبحال من الأحوال لن تقبل نشوء وارتقاء إيران نووية بجانبها، ومن هنا  يفهم المرء ما وراء السطور التي كتبها قبل أيام، “إيهود عيلام”، المحلل بالأمن القومي الإسرائيلي، عن فكرة الردع الإسرائيلي المطلوب، سواء  نجحت الولايات المتحدة في إعادة إيران إلى الاتفاق أو لم تنجح. ولعل التوجه الذي يشير إليه، عيلام، ليس سرا أو مفاجئا، فجميع الدوائر العسكرية حول العالم، تدرك تمام الإدراك أن الإسرائيليين، لديهم خططهم المعدة سلفا لسيناريو يوم القيامة مع  إيران، لا سيما في ظل التهديدات التي لا تنقطع  من الحرس الثوري الإيراني عن إشعال إسرائيل، أو إلقاءها في البحر. يخبرنا عيلام بأن قادة إسرائيل لديهم قناعة بأن ردع طهران وملاليها يجب أن يكون مستندا إلى  تعزيز القدرات العسكرية الإسرائيلية، وأن لا يكون قرار تل أبيب مرتهنا  إلى إرادة العم سام. شيء ما في النفسية والعقلية الإسرائيلية، يجعل من حيازة طهران للسلاح النووي، صدى صوت لنشوء وارتقاء النازية، وما صاحبها من أفران الغاز والهولوكوست ، ما يعني إستحالة التماهي مع توجهات إدارة بايدن لجهة طهران. تدرك إسرائيل أن هناك توجها أمريكيا  حقيقيا  للانسحاب من الشرق الأوسط في أقرب وقت، فواشنطن محمومة ومهمومة بالإستدارة نحو آسيا، الأمر الذي أكدته زيارة وزيري الخارجية والدفاع الأمريكيين إلى  اليابان الأسبوع قبل الماضي، للتنسيق معا  في طريق مواجهة الصين. في هذا الحال لا يغيب عن أعين المتابع  للشأن الإسرائيلي في الداخل الأمريكي أن هناك خطوات تجري بالفعل لتمكن تل أبيب من التعاطي مع طهران بالوكالة حال لزم الأمر.. ماذا عن ذلك؟ باختصار غير مخل، بدا واضحا في نهاية عام 2020، وجود مشروع قانون من الحزبين الديمقراطي والجمهوري في الكونجرس الأمريكي، يهدف إلى  تزويد إسرائيل  بقنبلة من طراز “أم. أو. بي”،  وهي قنبلة عملاقة خارقة للتحصينات، وقادرة على  تدمير المواقع  النووية الإيرانية شديدة  الحماية. في هذا السياق، يحاجج البعض بأن معرفة قدرة إسرائيل، على تدمير  مواقع البرنامج النووي الإيراني، سوف يردع طهران عن محاولة إنتاج سلاحها النووي، حتى وإن إحتاجت إسرائيل إلى  طائرات “بي -52″، الأمريكية العملاقة، والتي لا تطالها صواريخ إيران حتى الساعة. غير أن ما يصعب من مهمة تل أبيب هو تعلم طهران درس مفاعل العراق الذي قصفته إسرائيل في أوائل الثمانينات، فقد عمدت إيران إلى أنشاء أكثر من مفاعل في مواقع بعيدة عن بعضها البعض في الداخل الإيراني، وجلها أتخذ من الجبال تحصينات دفاعية، بحيث لا  يمكن تكرار سيناريو  العراق مرة أخرى. ويبقى التساؤل الذي يتهرب الكل من الإجابة عليه: “ماذا  لو خرجت إيران على العالم ذات صباح بأخبار امتلاكها سلاحها النووي، بالضبط كما فعلت  كوريا الشمالية من قبل؟ الثابت أنه على الرغم من أن علامة الإستفهام نظرية، إلا أن إسرائيل وبحسب عيلام، ستقوم وبدافع من اليأس باللجوء إلى ترسانتها  التقليدية وربما النووية في القضاء المبرم على أحلام إيران النووية.. هل هي القارعة إذن؟ لا تزال ليالي الشرق الأوسط حبلى  بالمفاجآت.

مشاركة :