قديماً كانت العبارة التى تفتح أمامك الأبواب المغلقة وتضع عنك أوزارك التى اقترفتها فى حق الناس والدولة معاً هى: أنت عارف أنا مين؟ اليوم كسدت تلك العبارة بعدما ابتذلها الكبير والصغير، واستبدلها بعض كبار رجال الأموال (ولا أقول رجال الأعمال) بعبارة: أنا عضو اللجنة التى تضع القانون. هكذا وبكل بساطة يتم تقنين الفساد، ثم نعجب لأمر أحكام البراءة فى حق من سرقوا ثروات البلاد والعباد. هكذا يلوذ رجل الأموال بتشريع وضعه لنفسه وفصّله على مقاسه حتى ينجو بجرائمه فى حق الوطن من طائلة القانون، لأنه وببساطة كان أحد واضعى هذا القانون. فى بلادنا نوعان من المستثمرين، أولئك الذين ينتجون السلع والخدمات، يوفرون فرص العمل، يساعدون فى دخول العملات الصعبة عبر التصدير.. وهناك صنف آخر يظن أنه من رجال الأعمال لمجرد أن لديه شركة أو حتى شركات باسمه، لكنه فى الحقيقة عبء على الاقتصاد القومى بكل ما فى الكلمة من معانى، تخصص له الأراضى برخص التراب. يدير محافظ مالية لحسابه، يتهرب من الضرائب عبر كثير من الحيل وباستخدام ثغرات فى القوانين، يدير أموالاً لا أعمالاً، وعادة ما يكون هو ودائرة مغلقة من أهله والمقربين المستفيدين من تلك الأموال بصفة حصرية. حتى الفائدة التى من الممكن أن تعود على الاقتصاد المصرى من إنفاق تلك الفئة لأموالهم على أشكال الاستهلاك المختلفة، عادة ما تحرم منها الأسواق المصرية فتقع على أسواق خارج البلاد، لأنهم يستوردون كل شيء من الخارج، حتى تعليم أبنائهم عادة ما يكون فى مدارس وجامعات خارج البلاد. ولأن الحقبة الناصرية أثّرت سلباً على مناخ الاستثمار الخاص وقيّدت الاقتصاد بشكل كبير فقد وجد هؤلاء الطفيليون طوق نجاتهم المحرقة المنسوبة عبد الناصر، تماماً كما فعل اليهود عبر عقود مبررين كل خطاياهم فى حق العرب بأنهم يوماً ما وقعوا ضحية لمحارق النازى.. ولأن الحقبة الناصرية ليست كالنازية. ولأن من دفع ثمن التأميم فى الحقبة الناصرية هم رجال أعمال بحق وليسوا أمثال هؤلاء الطفيليين، فإن محرقتهم المزعومة لا يمكن أن تصمد كذريعة لتكميم أفواه كل من يطالبهم بحق البلاد من ضرائب مستحقة، وأثمان للأراضى المخصصة لهم بملاليم لم تسدد، ومصادر للطاقة يحصلون عليها مدعومة دون أن يساهم هذا الدعم فى تخفيض السعر للمستهلك النهائى..إلى غير ذلك من امتيازات صارت حقاً مكتسباً. وصار حديثك عن ضرورة مناقشتها يضعك فى مرمى نيرانهم ومبرراً لاتهامك بمعاداة الاستثمار (كما يتهم ناقدو الصهيونية بمعاداة السامية)، بينما أنت تكافح جاهداً ضد الاستحمار إن جاز الوصف. أخبرنى أحد رؤساء اتحاد الشاغلين بمنتجع سكنى بمدينة السادس من أكتوبر قصة كفاحه فى جهاز المدينة ضد أحد هؤلاء الطفيليين الذين يرفضون سداد مستحقات الدولة عن الأراضى المرفّقة الرخيصة التى خصصت لهم فى عصر ما قبل الثورتين، وقد استوقفنى فى قصة كفاحه قدرات خارقة يتمتع بها هذا الطفيلي فى مواجهة الدولة. وأطلعنى على مستندات تؤكد صدور أحكام بالسجن ضد الرجل لكنها لا تنفّذ، وأحكام أخرى بسحب الأرض هى أيضاً لا تنفّذ، وأحكام ثالثة بهدم أبنية مخالفة فى المنتجع هى كذلك لم تنفّذ، وحين أراد رئيس اتحاد الشاغلين مواجهة الرجل بالقانون قال متحدياً: أنا عضو اللجنة التى تبحث تغيير القانون وسوف أغيره. ورغم أن تغيير القانون مستقبلاً لا يعنى أن الرجل غير مخالف لقوانين حالية وغير هارب من تنفيذ أحكام بالسجن والغرامة، إلا أن ما يعنينى هنا هو أن مخالفات هذا الطفيلي وغيره من الطفيليين سوف تصبح محمية بحكم القانون فى المستقبل المنظور، وشتان بين من يخالف قانوناً وهو بعد هارب من العدالة يمكن للسلطة التنفيذية –إن أرادت- أن تنال منه بحكم القانون، وبين من يسرق ويسطو على حق البلاد بحكم القانون، وإذا سألته عن حق الدولة لاذ بمحرقته المزعومة وأقام عليك الدنيا بحجة أنك عدو الاستثمار. حاجتنا إلى الاستثمار لا يعنى أن نفرّط فى حق الوطن، وأن نهدر حقوق الأجيال القادمة فى ثروات البلاد، وأن نترخّص فى منح امتيازات ليس لها مثيل فى أى دولة فى العالم، عقدة مطاردة المستثمرين ونعتهم بكل النقائص فى عقود سابقة لا ينبغى أن تطاردنا اليوم ولا أن تتحول إلى مبرر لتقديم مصر على طبق من فضة للطفيليين.
مشاركة :