تابعت بكثير من الأسف ما تداولته وسائل الإعلام بخصوص إعلان وزير الرى عن اكتشاف خزّان مياه جوفية يكفى لاحتياجات مصر من المياه مئة عام، خاصة وأن الوزير كان يعنى بهذا الاكتشاف أنه عثر على الخزان النوبى الذى اكتشف فى مصر منذ منتصف القرن الماضى إن لم يكن قد سبق اكتشافه فى عصور أخرى. الواقعة كاشفة مع الأسف لمدى ضعف إلمام الوزير بملف المياه وهو الأمر الذى كشفه خطاب سابق له تم تداوله فى وسائل الإعلام أيضاً يؤكد عدم معرفته بأى شيء عن سد النهضة. الواقعة كاشفة أيضاً عن استخفاف بعض المسئولين بالرأى العام والتعامل مع وسائل الإعلام باعتبارها مسرحاً للإعلان عن فتوحات المسئولين الوهمية. حقيقة لا أنوى الخوض فى مزيد من تفاصيل إعادة افتتاح الآبار، ولا مشروعات الفنكوش وإعادة تدوير الكفتة، ما أريد أن أرسيه فى هذا المقال هو ضرورة التروّى فى الاحتفال بالإنجازات الوزارية، وعدم الخلط بين طنين الدعاية وجهود التسويق الجاد للدولة المصرية والاقتصاد الوطنى. ولأن الشيء بالشيء يذكر، فما أثير من ضجة حول تصريح رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات الأخير عن تقديرات حجم الفساد فى مصر، يجب أن يوضع فى سياقه الصحيح، لا أن يعالج بمزيد من الفوضى الإعلامية والتراشق العلنى المتبادل. السياق الصحيح لا يخلو من ضوابط لترشيد مخاطبة الرأى العام، والترشيد - بخلاف ما يظن البعض- لا ينطوى على التعتيم وإنما مزيد من المسئولية والانضباط فى مخاطبة الجمهور. الشعب الذى انتفض فى ثورتين يستحق أن يخاطبه المسئول باعتباره صاحب الشأن الأصيل فى مختلف الملفات، الشعب الذى اختار نوّابه من أجل استكمال خارطة الطريق وإنهاء المرحلة الانتقالية الطويلة الشاقة، يريد الاستقرار التشريعى ولا يريد العودة إلى المربع صفر للعبث بالدستور حتى لا يفتح باباً للمناداة بالعودة إلى ما دون الصفر، يريد أن يكون نوّابه على قدر المسئولية في تصريحاتهم وسلوكهم داخل وخارج المجلس. لا نستطيع الفصل بين ملامح المشهد السياسي والتداعيات الاقتصادية، لذا نريد أن نجرّد الوضع الراهن من شبهة الضبابية السياسية حتى نفرغ لتحديات اقتصادية كبرى ينتظرها العالم فى العام الجديد. عام 2016 هو عام صعب على الاقتصاد العالمى فمن تباطؤ اقتصاد الصين (الذى يعنى تباطؤ أكبر ماكينة هاضمة للسلع والخدمات التى ينتجها العالم ومن ثم تباطؤ الاقتصاد العالمى) إلى الأزمة المالية فى البرازيل والتحديات الكبيرة أمام مجموعة البريكس، ثم تراجع أسعار النفط إلى مستويات تاريخية متأثرة بعوامل متصلة بجانبى العرض والطلب، إلى استمرار كل مقومات الأزمة المالية فى دول الاتحاد الأوروبى. كل ذلك ينذر بعام صعب على الجميع، لكن إدراك تلك الحقيقة مقدماً ربما يخفف من التداعيات السلبية لتلك المؤشرات إلى حد كبير، خاصة إذا اتخذت الدول من التدابير والضوابط ما يحول دون تفاقم الأزمات، وعمل المجتمع الدولى على تهدئة الأوضاع المحتدمة هنا وهناك خاصة فى منطقة الشرق الأوسط التى تعد المستهلك الأكبر للسلاح، وهو ما يؤدى إلى مزيد من الضغوط على موازنات دول المنطقة.
مشاركة :