د. شريف عرفة يكتب: هل أضعف الإنترنت تركيزنا؟

  • 9/3/2022
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

اسمح لي - عزيزي القارئ - أن أعترف لك بشيء عجيب بعض الشيء... وهو أنني أخاف فتح موقع تيك توك! كثيراً ما يرسل لي الأصدقاء تلك الفيديوهات القصيرة التي تسميها مواقع التواصل الاجتماعي « Reels».. وفي كل مرة أشاهد فيها شيئاً كهذا، أوقف نفسي في انزعاج كي لا تبتلعني دوامة مشاهدة مئات الفيديوهات المتتالية فأهدر الساعات من أجل لا شيء! كي لا تفهمني خطأ، أنا أحب كل ما هو جديد .. وأشجع كافة وسائل التعبير والتواصل.. إلا أن هذه الفيديوهات القصيرة بالتحديد تقلقني أكثر من أي شيء آخر، لا بسبب محتواها، فكل واحد حر في متابعة المحتوى الذي يريد، بل بسبب قصرها .. ثوانيها القصيرة التي تعطيك جرعة مركزة مدهشة مشحونة انفعالياً وبصرياً كلمحة بصر مبتورة السياق.. تجذب الانتباه.. دون فكرة.. دون معنى.. من دون هدف.. تنظر للهاتف لتشاهد بالتتابع «شخصاً يرقص، واحدة تضحك، طباخ يطهو، حيوان يلعب، مقطع كوميدي، جهاز غريب، ديكور منزل أحلام، هدف كرة قدم، إعلان رحلة، سيارة فارهة، رقص، دهشة، رقص، غناء، تقليد، ضحك... إلخ».. ما هذا الذي حدث للتو؟ تنظر لساعتك مكتشفاً مرور ساعة! تقول مواقع التقنية: إن عدد الساعات التي يقضيها صغار السن في مشاهدة «تيكتوك»، تفوق عدد ساعاتهم في الـ «يوتيوب».. ما اضطر الأخير لتقديم فيديوهات قصيرة هو الآخر - لو كنت قد لاحظت - على سبيل المجاراة والمنافسة! لكن ما يزعجني حقاً في هذه الفيديوهات التي تغزو هواتفنا ليس ضياع الوقت في حد ذاته.. بل ما يقلقني هو تأثيرها الضار المحتمل على عقولنا.. هل ستؤدي لتناقص فترة التركيز، أو ما يطلق عليه الباحثون مدى الانتباه attention span؟ من اعتاد مشاهدة محتوى في ثوان، هل سيطيق مطالعة محتوى أطول؟ منذ عقود، كان الإنسان يقرأ رواية عملاقة كـ «الثلاثية» مستوعباً تفاصيلها، أو كتاباً ضخماً كـ «نقد العقل العربي» متعمقاً في تسلسل أفكاره.. لكن مع العصر الرقمي أصبح مدى انتباه مشاهدي فيديو «يوتيوب» هو 9 ثوان! كل صانع محتوى يعرف هذا الرقم جيداً: إن لم تثر انتباه المشاهد خلال هذه الفترة سينتقل للفيديو الذي يليه .. فما الحال الآن عندما أصبح الفيديو نفسه 5 ثوان؟ لو تأملت شخصاً على «تيكتوك» أو يشاهد «الريلز»، ستجده يـ «سكرول» بعد ثانيتين أو ثلاثة! أصبح الناس في عجلة من أمرهم يريدون مشاهدة المزيد من اللا شيء الجذاب المثير للانتباه! لحظة الدهشة الأولى دون أن تقودك لأي محتوى يعمق استيعابك لأي فكرة.. فما هو الحل؟ تحاول بعض المؤسسات التعليمية مجاراة «تيكتوك» لإنتاج محتوى قصير يسمى «إيديوتوك».. وهناك علماء مرموقون على التطبيق مثل «بيل ناي» و«نيل ديجراس تايسون»، وهو مجهود حميد بالطبع.. لكن هل استيعاب الأفكار العلمية ممكن على هذا النحو؟ فهم فكرة مركبة، ذات أبعاد و تراكمات معرفية وسياقات وتطبيقات، ممكن في 10 ثوان؟ هل سنخادع أنفسنا؟ يعتمد هذا الحل على أن ما لا يدرك كله لا يترك كله، أو عملاً بمبدأ نصف العمى أفضل من العمى كله! لكن الحل الناجز الذي أعرفه لو كان وقتك ثميناً، هو أن تفعل مثلي.. أن تخاف من الفيديوهات القصيرة وتهرب منها!

مشاركة :