هل الشهرة قادرة على صناعة التأثير؟ تتيح وسائل التواصل الحديثة مجالات عريضةً لإشهار بعض الأسماء أو بعض السلوكيات، وتجري مقارنتهم مع ذوي الفكر الجاد، ويجنح الظن أن المشاهير يكتسحون فضاءات التأثير على العقول والأذواق، وهنا يلزمنا التفريق بين التأثير العقلي والتأثير الذوقي، حيث سنرى أن التأثير الذوقي سهل العبور بين الثقافات والأجيال والمقامات، ومثاله وجبة الهمبورجر وخاصة لمكدونالدز التي اكتسحت العالم ورأينا رؤساء دول من زعماء أميركا، وكذلك من روسيا مثلهم مثل اليافعين يدمنون تناول وجبات سريعة من هذه الأكلة التي يتفق الكل على أنها غير صحية، وقد أصيب بيل كلينتون أثناء رئاسته لأميركا بحالة صحية طارئة استوجبت الهلع في البيت الأبيض، وتبين من قول الأطباء أن سببها إدمانه على وجبة بيج ماك مع كوكاكولا من الحجم الكبير، ولازم هذه العادة، لأنها سريعة ولا تكلفه وقتاً كما تفعل الوجبات الصحية وشروط مائدة الطعام، مما سبب له حالة صحية أقلقت المسؤولين، ورغم شيوع مثل هذه القصص، فإنها لا تعطي دروساً في السلوك الغذائي السليم وتظل الوجبات السريعة تهيمن وتفرض نفسها على الأذواق والسلوكيات الغذائية، ومثل ذلك يحدث بنظام سلوكي متصل مع كل ما تنتجه ثقافة المشاهير من ملبس ومن مظهر عام، وهذا كله يشبه الطعام السريع الذي هو غير صحي ولكنه يتغلب على الصحي. ومن الواضح أن تأثيرات المشاهير هي في هذا الإطار بصفاته السلوكية المحددة، وهنا يلزمنا الابتعاد عن جعل ذلك مقياساً للتأثير العقلي، فالذين يتناولون البيج ماك والكوكاكولا سلموا ذوقهم الغذائي لسلطة الوجبة الكاسحة شهرةً وسهولة تناول، لكن عقولهم لم تنكر قط أنها وجبة غير مفيدة وغير صحية، وكذا هي حال ثقافة المشاهير، فهي ثقافة غير مفيدة وغير صحية، ولكنها تعم وتنتشر، بينما الثقافة الفكرية والعقلية تظل هي المصدر الأولي للصحة العقلية والسلامة الفكرية، تماماً مثل الطعام الصحي وكل خلل تحدثه الوجبات السريعة لا علاج له إلا بالأكل الصحي، وكذلك فأي طغيان لثقافة المشاهير لا علاج لها إلا بثقافة الفكر وثقافة الإنتاج والإبداع، والمعنى هنا أن ثقافة المشاهير ستظل شائعةً وكاسحةً مثل البيج ماك والكوكاكولا، ومن فوقها ستظل ثقافة الفكر العلمي والذوق الإبداعي تسير بخطى متّئدة وواثقة، ولا تصح المقارنات هنا، فحالات الذوق العام هي السرعة والتأثر بأي متغير يجعل الفرد مثل الكل، بينما الثقافة المعرفية لا تسعى لجعل الفرد مثل الكل، بل تؤسس لفرد مختلف عن الكل، وكلا النموذجين واقعيان، فنحن نقلد غيرنا في الشؤون العامة كأن نحضر لمسرحية يحضرها الكل ونصغي لها كما يصغي لها الكل ونضحك أو نبكي مع الكل، ولكننا لا نفكر ونبدع كما يفكر الكل أو يبدع الكل، ولو فكرنا كما يفكر الكل فلن نكون مفكرين ولا مبدعين، ولكن لو أكلنا ما يأكله الكل فهذه عادة تلقائية في أمور الذوق العام بمثل ما نلبس ما يلبسه الكل، وهكذا هي حياتنا كبشر، حيث هناك جزء منا له سمات كلية عمومية وبإزائها جزء خصوصي هو الذي يميز عقلاً عن عقل، وإن تشابهت الأجساد والملابس.
مشاركة :