يجب أن تعمل السياسات بشكل مباشر على تشجيع الزيادة الكمية والنوعية في الوظائف المتاحة للأفراد الأقل تعليما ومهارة في قوة العمل، أينما اختاروا أن يعيشوا "أو حيثما كان المكان الذي يمكنهم تحمل تكاليفه". في المستقبل، لن يأتي القسم الأعظم من هذه الوظائف من قطاع التصنيع، بل من خدمات مثل الرعاية الصحية، والرعاية طويلة الأجل، وتجارة التجزئة. في الولايات المتحدة، كان صافي إيجاد كل الوظائف الجديدة في القطاع الخاص منذ أواخر سبعينيات القرن الـ20 في قطاع الخدمات، ويعمل أقل من واحد من كل عشرة عمال حاليا في قطاع التصنيع. حتى لو نجحت سياسة الولايات المتحدة في إعادة التصنيع وسلاسل التوريد إلى الداخل، فمن المرجح أن يكون التأثير في تشغيل العمالة محدودا. تقدم لنا تجربة النجوم الخارقة في مجال التصنيع في شرق آسيا، مثل كوريا الجنوبية وتايوان، مثالا واقعيا. في حين ازدادت بسرعة حصة القيمة المضافة في التصنيع في الناتج المحلي الإجمالي "بالأسعار الثابتة" في هذين البلدين، فإن نسب تشغيل العمالة في التصنيع كانت في انخفاض على نحو مطرد. هذه الملاحظة مهمة، لأن قسما كبيرا من سياسة الولايات المتحدة يركز على تشجيع التصنيع العالي تكنولوجيا، بما في ذلك مشروع القانون الذي أقـره الكونجرس أخيرا الذي سيوفر 52 مليار دولار في هيئة تمويل لتصنيع أشباه الموصلات وما يرتبط بها من صناعات. تهدف المبادرة إلى تعزيز الأمن الوطني الأمريكي في مواجهة الصين وإيجاد وظائف جيدة. لكن مع الأسف، حتى لو نجحت المبادرة في تلبية الهدف الأول، فمن المرجح أن يظل الهدف الثاني بعيد المنال. من الممكن طرح نقطة مماثلة حول إعانات الدعم المقدمة للتكنولوجيات الخضراء، التي تعد مكونا أساسيا في قانون خفض التضخم، الذي من المرجح أن يوقعه الرئيس جو بايدن قريبا. لا شك أن التحول الأخضر يمثل أولوية ملحة يتعين على النموذج الجديد أن يعالجها. لكن هنا أيضا، لا تستطيع الحكومات أن تصطاد عصفورين بحجر واحد. فالسياسات التي تستهدف تغير المناخ ليست بديلة عن سياسات توفير الوظائف الجيدة، والعكس صحيح. يتطلب دعم الطبقة المتوسطة ونشر فوائد التكنولوجيا على نطاق واسع من خلال المجتمع استراتيجية صريحة لتوفير الوظائف الجيدة. لن يركز مثل هذا النهج بشكل كبير على المنافسة مع الصين، وسيستهدف الخدمات بدلا من التصنيع، كما سيركز على تعزيز التكنولوجيات المعززة لفرص العمل. من السابق للأوان أن نجزم بما إذا كان نموذج الإنتاجية الجديد ليتبلور، فضلا عن إثبات كفاءته للمهام التي تنتظره. قد تهيمن مخاوف التضخم على عملية صنع السياسات ليصبح التحول البنيوي هدفا ثانويا، واستقرار الأسعار شرطا لا غنى عنه لملاحقة سياسات اقتصادية إنتاجية. لكن العودة إلى مناهج الاقتصاد الكلي التقليدية التي تركز على إحكام السياسة النقدية وخفض العجز لن تترك سوى القليل من الأرض الخصبة لإبداع السياسات وتجريبها. في النهاية، تحتاج الاقتصادات إلى أفكار سليمة، وليس بالضرورة إلى نموذج جديد. بحلول الوقت الذي تتحول فيه أي مجموعة من الأفكار إلى معتقد تقليدي، تصبح عامرة بتعميمات وبدهيات تناسب كل الظروف التي من المحتم أن تكون غير مفيدة ومضللة. وإذا كان الفكر الجديد حول الإنتاجية ناجحا، فسيوصف في النهاية بأنه "نموذج"، سواء سميناه كذلك أو لم نفعل. خاص بـ «الاقتصادية» بروجيكت سنديكيت، 2022.
مشاركة :