يعتقد أن الأسواق الصاعدة أكثر صلابة لأنها أقل اعتمادا على المستثمرين الأجانب لكن هل المستثمرون الأجانب أفضل في التمييز بين البلدان؟ أم أن استجابة السياسات واسعة النطاق في الاقتصادات المتقدمة أثارت مزيدا من الالتباس؟ فقد انهارت جميع فئات الأصول تقريبا في أوائل العام الماضي، ثم تعافت بقوة. وقد حجبت عمليات ضخ السيولة بعض المشكلات، لكن ليس في كل مكان. ورغم أن ارتفاع مد السيولة رفع بالتأكيد قوارب كثيرة، فإن المحركات الكلية والسياسية تقود أسعار الأصول في نهاية المطاف. وقد كان هناك تمييز معقول بالتأكيد في الائتمان السيادي والصرف الأجنبي. وكانت أكبر مفاجأة في العام الماضي هي كيف تمكنت جميع الاقتصادات الصاعدة تقريبا من تيسير السياسة النقدية. وقد سهل الاحتياطي الفيدرالي هذا الأمر إلى حد كبير، حيث قال حرفيا في آذار (مارس) 2020: "اتركوا الأمر لنا، فنحن نسيطر على الوضع". وكانت تلك إشارة قوية للغاية إلى إمكانية استخدام السياسة النقدية لإنقاذ الأسواق الصاعدة أيضا. وقد تبين أن استخدام سياسة المالية العامة أصعب، إذ لم يكن لدى العديد من البلدان الذخيرة المالية التي لدى الاقتصادات المتقدمة. والسؤال المطروح هنا كيف إذا كانت أسعار الفائدة طويلة الأجل ترتفع بسبب النمو الأقوى في الولايات المتحدة، فهل يمكن لهذا الارتفاع أن يعوض تأثير ارتفاع تكاليف الاقتراض؟ ففي الظروف المعتادة، سأقول لا. فعند تشديد الأوضاع النقدية في الولايات المتحدة، أعتقد أن خسائر الاقتصادات الصاعدة الناجمة عن التدفقات الرأسمالية الخارجة تكون أكبر من مكاسبها الناتجة عن زيادة الصادرات. والسبب هو أن المحرك الرئيس للاستثمارات والتجارة وأسعار السلع الأولية على مستوى العالم في الأعوام الأخيرة لم يكن الولايات المتحدة، بل الصين. وتتأثر الحسابات الرأسمالية للأسواق الصاعدة بالقرارات المتخذة في واشنطن، بينما تكون حساباتها الجارية أكثر تأثرا بالقرارات المتخذة في بيجين. وقد تكون التوليفة المثلى هي ولايات متحدة أضعف حيث تؤدي أسعار الفائدة المنخفضة إلى دفع رؤوس الأموال نحو الأسواق الصاعدة، وصين أقوى تعزز التجارة والاستثمار، وإذا كانت الولايات المتحدة أكثر قدرة على التأثير في نمو الاستثمار العالمي من خلال خطة البنية التحتية التي طرحها الرئيس بایدن، فإن ذلك من شأنه أن يساعد البلدان الصاعدة، خاصة إذا عاودت الصين التركيز على الاستهلاك. وقد استخدمت الأسواق الصاعدة السياسات غير التقليدية على نحو أكثر فعالية فهل يشير ذلك إلى أن بعض البلدان لديها أدوات في ترسانتها المالية أكثر مما كان متصورا من قبل فمن الصعب جدا التعميم: فقد كانت هناك عدة أشكال مختلفة للتيسير الكمي. ولكن سياسات جميع البنوك المركزية كانت غير تقليدية مقارنة بالأعوام القليلة الماضية فقط، والقول إن البلدان الصاعدة لا تستطيع استخدام التيسير الكمي أو أن الوضع يخرج عن السيطرة قد مضى عليه زمن طويل. وكان هناك قدر كبير من التنوع. فعلى سبيل المثال، نجحت الهند في الإعلان عن سياسة مالية توسعية إلى جانب وضع حدود قصوى لعائدات السندات. وإذا حاولت البلدان الأخرى القيام بذلك، سيكون هناك قدر هائل من التدفقات الرأسمالية الخارجة. ورغم أن الاختلاف غالبا ما يكون في مدي ثقة الأسواق في إمكانات النمو في كل بلد، يكون هناك اختلاف أيضا في مدى انفتاح الحساب الرأسمالي. والسؤال المطروح هنا أيضا هو إلى أي مدى تشعران بالقلق إزاء تزايد أعباء الديون؟ وهل تستطيع الأسواق الصاعدة، خاصة البلدان منخفضة الدخل، وهل نجد سبيلا للخروج من أزمة الديون؟ فالإجابة تكمن في أن التعامل مع التأثير المالي لجائحة كوفيد - 19 مصدر قلق عالمي. وهناك مصدر قلق مباشر في رأيي وهو التفاوت في معدلات النمو بين مختلف البلدان. ومن المؤسف أن توزيع اللقاح في الاقتصادات الصاعدة سيكون بوتيرة أبطأ بكثير مقارنة بالاقتصادات المتقدمة، والأسواق لا تولي اهتماما لهذا التفاوت. ورغم أن الاقتصادات الصاعدة ستتعافى، فإنني لا أرى أن مستويات الدين إلى إجمالي الناتج المحلي ستنخفض إلى مستويات ما قبل جائحة كوفيد – 19 لأعوام عديدة.
مشاركة :