قبل حوالي ثلاثة أشهر من إحياء الذكرى الأربعين لمجزرة صبرا وشاتيلا كشفت صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية عن تقرير سري يقدم وثائق عن تنسيق جرى بين مسؤولين عسكريين ومدنيين إسرائيليين وقادة من حزب الكتائب اللبناني لحبك سيناريو رواية تبرئ الطرفين (إسرائيل والكتائب) من مسؤولية ارتكاب المجزرة. ووقعت مجزرة صبرا وشاتيلا على أطراف العاصمة اللبنانية بيروت في 16 من أيلول/ سبتمبر من عام 1982 واستمرت حتى 18 من الشهر نفسه. ومنذ ذلك الحين تُوجه أصابع الاتهام لمليشيات الكتائب المسيحية اللبنانية والجيش الإسرائيلي الذي كان يسيطر سياسيا وعسكريا على تلك الميلشيات. واهتز العالم في الـ18 من سبتمبر، عندما ظهرت على شاشات التلفزيون أولى صور المجزرة البشعة التي تظهر جثث الضحايا متكومة والأشلاء البشرية متناثرة بين أزقة بيوت المخيمين المتجاورين الذي يؤوي لاجئين فلسطينيين. واستقر آلاف الفلسطينيين بلبنان عقب قيام دولة إسرائيل عام 1948،فعبر حولي 110 آلاف فلسطيني من الجليل نحو الأراضي اللبنانية. وفي سبعينيات القرن الماضي أقامت منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان بعد إخراج قادتها من الأردن عقب أحداث "أيلول الأسود". وكانت مخيمات الفلسطينيين تؤوي عائلات فلسطينية مشردة كما تؤوي آلاف المقاتلين "الفدائيين" الذين كوّنهم زعيم منظمة التحرير التاريخي ياسر عرفات في إطار خطة ترمي لمقاومة الاحتلال الإسرائيلي بالكفاح المسلح. وكانت تلك المخيمات تحت السيطرة الحصرية للشرطة العسكرية الفلسطينية، بموجب اتفاق عام 1969 بين عرفات وقيادة الجيش اللبناني، لتصبح المخيمات رمزا للمقاومة الفلسطينية. وبعد اندلاع حرب أهلية في لبنان عام 1975، بين "المحافظين المسيحيين" و"التقدميون الإسلاميين"، شُكلت "كتلة حول الرئاسة للحفاظ على النظام التقليدي" عرفت باسم الكتائب، وأسسها بيار الجميّل. وفي المقابل تشكل تحالف غير متجانس مع ثلاثة محاور "يساري، ومسلم، فلسطيني". في عام 1976، دخلت القوات المسلحة السورية إلى لبنان بزعم وقف الاقتتال الأهلي، لكنها لعبت دورا داعما لطرف تجاه الآخر، بالتزامن مع دعم إسرائيل للمسيحيين في نفس الوقت تقريبا. وكانت الكتائب ترى في عدد اللاجئين الفلسطينيين، ومعظمهم من المسلمين، تهديدا للتوازن الديمغرافي بين المسيحيين والمسلمين في البلاد. وتتالت الأحداث بين بعد غزو جنوب لبنان عام 1978، واجتياح بيروت في السادس من حزيران / يونيو 1982، والاتفاق على تهجير منظمة التحرير الفلسطينية وتفكيك مكاتبها بلبنان، وصولا إلى انتخاب مجلس النواب اللبناني زعيم الكتائب بشير الجميل في 23 أغسطس. 1982 رئيسا جديدا للبنان، ثم اغتياله بتاريخ 14 سبتمبر بعبوة ناسفة. وكانت حادثة الاغتيال منعرجا حاسما لإعطاء إسرائيل ذريعة لنفسها لدخول بيروت الغربية، وتنفيذ مجزرة صبرا وشاتيلا بعد يومين. وأفاد التقرير السري الذي نشرته يديعوت أحرونوت أن "الكتائب ارتكبت المجزرة انتقاما لمقتل الجميّل". دخلت الكتائب مخيمات صبرا وشاتيلا بعد ظهر الخميس 16 سبتمبر بالتنسيق مع الجيش الإسرائيلي. وأضاف التقرير أن وحدة الكتائب الأولى دخلت المخيمات وعلى رأسها إيلي حبيقة القيادي في مليشيات الكتائب، وقامت بإطلاق النار على الناس وذبحهم بالسكاكين والفؤوس، واغتصاب النساء والفتيات. وقُتل حبيقة في بيروت في هجوم بسيارة مفخخة في 25 كانون الثاني/ يناير 2005، بعد يومين من إعلانه استعداده للإدلاء بشهادته بشأن مذبحة صبرا وشاتيلا أمام المحكمة البلجيكية التي اتهمت شارون بارتكاب "إبادة جماعية" و"جرائم حرب" و"جرائم ضد الإنسانية". وبعد حوالي 40 ساعة من القتل والذبح والاغتصاب، غادرت قوات الكتائب مخيمات صبرا وشاتيلا، وسيطر الجيش اللبناني على المخيمات في الـ19 من سبتمبر. ولم يتم تحديد عدد دقيق لضحايا المجزرة، وتفاوتت التقديرات على نطاق واسع بين 700 و 3500. واعتمدت لجنة التحقيق الإسرائيلية رقما يتراوح بين 700 و800 ضحية بحسب إحصاءات الجيش الإسرائيلي. وقامت المؤرخة اللبنانية بيان الحوت بعمل ميداني بين عامي 1982 و 1984 على الضحايا في صبرا وشاتيلا، وحددت 1390 حالة. وقدّر الصحفي الإسرائيلي أمنون كابليوك عدد الضحايا بين 3000 و3500. واتهمت السلطات السياسية في لبنان، جنود حداد "حليف إسرائيل التقليدي" بالمسؤولية عنها، كما اتهمت الحكومة الإسرائيلية بالتواطؤ، لأن مداخل المخيمات كانت تحت سيطرة الجيش الإسرائيلي. وأجمعت الأحزاب اللبنانية على تبرئة الكتائب من أي نوع من المسؤولية عن المجزرة. واعتبر اللاجئون الفلسطينيون الحكومة الإسرائيلية المحرض الرئيسي على مجزرة صبرا وشاتيلا. واتهموا بشكل خاص وزير الدفاع آنذاك أرييل شارون. في يونيو/ حزيران 2001، قدم 23 من ضحايا مجزرة صبرا وشاتيلا شكوى ضد شارون أمام محكمة بلجيكية، واتهموه بارتكاب "الإبادة الجماعية" و "جرائم الحرب" و"الجرائم ضد الإنسانية". ورفضت المحكمة البلجيكية الدعوى بعدها بعام بداعي أن المتهم شارون موجود خارج بلجيكا، كما استندت على القانون الإسرائيلي الذي يمنع محاكمة مسؤول سياسي والحال أن شارون كان وقت رفع الدعوى يشغل منصب رئيس الوزراء. وعلى الصعيد الدولي أدان قرار مجلس الأمن الدولي 521 الصادر في 19 سبتمبر 1982 "المجزرة الإجرامية بحق المدنيين الفلسطينيين في بيروت". وفي 16 كانون الأول/ ديسمبر 1982، أعلنت الجمعية العامة أن المذبحة هي "عمل من أعمال الإبادة الجماعية". وأنشأ عدد قليل من الخبراء الدوليين، معظمهم من المحامين، "لجنة دولية للتحقيق في انتهاكات إسرائيل للقانون الدولي المبلغ عنها أثناء غزوها للبنان"، التي أكدت أن "السلطات الإسرائيلية تتحمل مسؤولية قانونية جسيمة، كقوة محتلة على المجازر في صبرا وشاتيلا". وفي لبنان، شُكلت لجنة تحقيق بعد المجزرة، لكن نتائجه لم تنشر قط لأن السلطات اللبنانية أرادت دعم "المصالحة الوطنية". وفي شباط / فبراير 1983 نشرت لجنة كاهان الإسرائيلية استنتاجات واضحة تؤكد أن "الكتائب ارتكبت الفظائع"، مشيرة إلى أن أيا أي من القادة الإسرائيليين لم يكن متورطا بشكل مباشر فيها. وحمّلت اللجنة القيادة السياسية والعسكرية العليا الإسرائيلية مسؤولية غير مباشرة. وفي أكتوبر 2021 دعا مركز العودة الفلسطيني في لندن، الأمم المتحدة إلى إعادة فتح ملف مجزرة صبرا وشاتيلا، والتحقيق مرة أخرى فيها، داعيا لمحاكمة "المسؤولين عن القتل الرهيب لآلاف اللاجئين الفلسطينيين في لبنان أمام محكمة دولية خاصة." وفي العاشر من سبتمبر الجاري أعلنت ستوديوهات مارفل عن شخصية جديدة تحمل اسم "صبرا" ستؤدي دورا بطوليا في فيلمها القادم ضمن سلسلة "كابتن أميركا"، وهي الممثلة الإسرائيلية شيرا هاس مما أثار ردود فعل فلسطينية غاضبة على منصات التواصل الاجتماعي، خاصة وأن الكشف عن شخصية "صبرا" في الفيلم تم أياما قليلة قبل حلول ذكرى مجزرة صبرا وشاتيلا. وفي المقابل رحب إسرائيليون بالفكرة خاصة وأن شخصية "صبرا" تمثل عميلة في الموساد الإسرائيلي و"تقوم بمهمات بطولية خارقة". وظهرت شخصية "صبرا" سابقا في المجلة القصصية "مارفل: ذا إنكردبل هالك" في الثمانينيات، لتتحول إلى شخصية حقيقية (ليست كرتونية) في فيلم هوليوودي.
مشاركة :