الكتابة ليست مهنة، وإن امتهنها البعض وغدت لديه وسيلة للرزق والتكسب، الكتابة في كل حالاتها وأشكالها هي حالة حب، لا تستجيب الكلمات إلّا لمن يحبها، ويحميها، ويكون وفيّاً لها ومخلصاً إلى أبعد حد، لا ينتهك براءتها بما لا يليق من السرد، أو البوح فهي محفّزٌ مهم للإلهام، تدفعك نحو المساحات الشاسعة التي تجعلك محلقاً وعاشقاً، وصديقاً للجمال والحياة النابضة بالفرح والسعادة. الشاعر الذي يرسم الكلمات، ويُبدع القصائد التي تطير بنا نحو اتجاهات من الشوق تارة، ومن الوجع تارات أخرى، ومن الوجد والشغف والحنين أحياناً كثيرة يجعل من الحروف عوالم وكائنات ترافقنا، تشاغلنا، يحيل الحياة من حولنا امتدادات من المشاعر التي نعيشها وتعيشنا وتصبح رهينة أوقاتنا مشاغبة، ومحبة، فكم من القصائد تركت أثراً في أعماقنا وحملناها معنا كصديق حميم مرةً، ومزعجٍ مرات أخرى! كذلك الروائي الذي يدخلنا في مناطق لم نتعرف عليها قبل أن نقرأه في عمل كبيرٍ يثير في دواخلنا عدة أسئلة واستفهامات ورؤىً وصور تجعلنا أسرى رواية بعينها ودون سواها، هذا الروائي أعتبره حقيقياً وليس موظفاً عند الكلمات يأخذها إلى حيث يريد الآخر، ليس ما يريده هو في أعماله، ولأنه كاتبٌ بالطلب فلا يصلك ما يكتب، وإن استنزف اللغة كاملة، فالكلمات تحب من يحبها، وليس من يقتحم خصوصيتها بأي دافع كان. في زماننا هذا، طلع علينا كُتّاب وشعراء وروائيون من بقاع كثيرة، وهذا أمر طبيعي، لكن إذا ما قرأنا واطلعنا على ما يكتب بعضهم نجدهم ممن يمتهنون الكتابة كوظيفة، أو ممن يبيعون الكلام كوسيلة للتكسب، وهو أمر واقع فعلياً ولا سبيل إلى إنكاره، أو مبدعون صادقون، عاشقون، يكتبون لأنهم يؤمنون بقيمة الكلمة وقوتها، وأثرها في إحداث التغيير الإيجابي الذي يجعل الآخرين يتخذون بعضهم قدوات؛ لأنهم يعرفون أنهم أصحاب رسالات يستميتون من أجل الاشتغال عليها بجدية وتفانٍ واجتهاد، أما المزيفون فهم مجرد زبدٍ يأخذه الماء أينما اتجه. نستطيع اختيار من نتابع، ماذا نقرأ، من نتّبع، كل الذين قطعوا شوطاً أو زمناً في قراءة الواقع المحيط يستطيعون تمييز ما يدور حولهم، يعرفون المزيف من الحقيقي لا تخدعهم عدسات كاميرات مغشوشة، أو عبارات مُلتقطة من كل وادٍ أو طريق، أولئك لا خوف عليهم، بل الخوف على من لا يعرف ما يدور حوله، ويصبح أسير متابعة يومية لشاعر أو كاتب مزيف، وهو لا يدرك هذه الحقيقة أو ما وراءها في زمن العجائب هذا.
مشاركة :