كثيرة هي الأشياء التي تود لو أنها «تنذكر ما بتنعاد» كما غنّت جارة القمر فيروز، وعميقة جداً الآثار التي تركتها تلك التي تتمنى لو أن لا تعود، بقسوتها، بمرارتها، وأحياناً حتى بحلاوتها، لأنك ولسبب ما لن تستطيع التقاط تلك الحلاوة مرة أخرى متى ما غادرتك ومضت، من دون أن تعلم، أو أن تعلم وتتجاهل، أو تُكابر، أو ترضخ لأمر ربّاني لا تملك فيه إلّا الصبر. أيام ومواقف وأحداث ووجوه تتمنى أحياناً لو أنها مرّت وما ذكرت أمامك، أو لم تسترجعها ذات حديث معك أو مع آخر يقاسمك الذكريات والأيام المُرّة أو الحلوة. نحن بشر نعاني هشاشة عاطفية لا نملك تجاهها إلّا أن نستسلم للألم أكثر من الفرح، وكأننا مجبولون على اكتناز كل ما يوجعنا واستحضاره ذات مصادفة، أو من غير موعد هكذا تأتي الأحداث كما لو أنك لم تتوقع أن تأتي. تلك الأيام التي مضت وهي تحمل على متونها الكثير من التبعات والحكايات، والسوالف التي تناقلتها الأفواه وصيّرها التاريخ إما أمثلة أو شواهد، أو غدت أثراً يؤوب الناس إليه كلما جالت في خواطرهم ذكرى لحدث ما عند ذاك المكان أو التاريخ أو الإنسان، نحن نعشق أيام أجدادنا الحلوة ونتذكر تفاصيلها النابضة بكل الجمال الذي عاشه الأوّلون ببساطة الحياة وبراءة القلوب، لكننا لا نريد لتلك الأيام بصعوبتها أن تعود، لأننا نعيش زمن الرخاء، حيث لا شدّة فيه أو شظف عيش أو قسوة طبيعة، لكننا نحمل الحنين في دواخلنا لذاك الزمان وأهله الطيبين، لذا فإننا نتمنى لو أنها «تنذكر وما تنعاد». كثير هو الحديث حول الذي نريده أن يحيا في أرواحنا فقط، لكن لا نتمناه أن يعود، لأن لا أحد فينا بمقدوره أن يحتمل كل الألم والوجع وحتى الفرح المشوب بهمٍّ أو بعناء لمجرد أن يعبرَ به موقف تمنى لو أن الزمان لا يكرره ولو مصادفة، أو في مكان آخر بعيداً حتى عن أرضه وسمائه، ذلك أن ما يؤلم الروح من الصعب التخلص منه، أو نكرانه أو نسيانه، كتلك الوجوه التي قد تمر بنا ولا تترك خلا المضرّة بعدما كان في حضورها كل الفرح والمسرة. من هُنا كان للذكريات حضورها الطاغي في داخل الإنسان الذي يتمناها لكن لا يريد للموقف الذي حدثت فيه أن يعود، خصوصاً إذا كان ذاك الموقف مما يجلد الروح أو يمارس عليها أي شكلٍ من أشكال الأذى النفسي والضغط العاطفي الذي لا يطاق، ولا يُنتظر.
مشاركة :