تدخل الآباء في اختيار شريك الأبناء يهدم العلاقة الزوجية | أحمد حافظ

  • 10/5/2022
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

حذرت المؤسسات الدينية في مصر من خطورة تدخل الآباء في زواج الأبناء واعتبرته نوعا من العقوق تجاههم، كما أعطت الأبناء الحق في رفض الضغوط الأبوية عند إكراههم على الزواج من أشخاص بعينهم. ويمكن أن يؤدي الزواج بالإكراه إلى تأزم العلاقة بين الأبناء وأسرهم من جهة وبينهم وبين شركائهم في الحياة من جهة ثانية. القاهرة- بعثت دار الإفتاء المصرية برسائل تحذيرية للأسر التي تجبر أولادها على الزواج من شريك بعينه، بالإكراه أو الضغوط أو الترهيب، أو التلويح بالحرمان من الميراث، باعتبار أن الزواج القائم على عدم المودة والتراحم والتفاهم قد يؤسس لكراهية وعدم مودة بين العناصر المتداخلة معه، ومن بينها الزوجان بصفة خاصة. ومنحت المؤسسة الدينية للأبناء الحق في رفض الضغوط الأبوية عند إكراههم على الزواج من أشخاص بعينهم، وقالت إن ذلك ليس عقوقا من الأبناء، الأمر الذي اعتبره الكثيرون خطوة هامة لإسقاط السلطة الأبوية في اختيار شركاء الحياة للأبناء. وقال شيوخ تابعون للمؤسسة الدينية ردا على استفسارات وصلت دار الإفتاء بشأن الزواج دون رضا الوالدين، إن منع الأب زواج الابن والابنة وإجبار كليهما على الزواج يعتبر أحد مظاهر العقوق بالأبناء ولا يجوز الإجبار على الزواج لأي سبب. واعتاد البعض من الآباء استخدام الترهيب الديني للضغط على الأبناء لتزويجهم من أشخاص بعينهم، حيث يستخدمون الدين للتخويف من المعصية باعتبار أن الإسلام فرض وصاية الأب على الابن والابنة حتى في الزواج لأنه الأجدر على اختيار شريك الحياة الذي يضمن لابنه أو ابنته حياة كريمة، وهي قناعات نسفتها المؤسسة الدينية بدعوتها صراحة إلى عدم الانصياع لرغبات الأهالي في الزواج. محمد هاني: ضغط الأسر على الأبناء يدفعهم لأن يعيشوا حياة غير مستقرة ولا يقتنع آباء يزوجون الابن أو الابنة بالإكراه أن هذا الزواج صلاحيته يمكن أن تصبح محدودة، ومن الصعب أن يستمر، حيث يقود الشريك المجبر على علاقة بعينها إلى الخيانة الزوجية لعدم تقبل الحياة مع إنسان لم يختره ولا يكنّ له مودة وعاطفة. وتنتشر حالات الزواج بالإكراه بين الأسر البسيطة التي ترى أن التدخل في اختيار شريك الحياة واجب، ما يعطي أهمية استثنائية لدخول المؤسسات الدينية كطرف أصيل لحل تلك الأزمة، لأن الآباء يتعاملون كأوصياء في رسم حياة آمنة لأولادهم. وذكرت هالة محمد، وهي فتاة تم إجبارها على الزواج من شاب ميسور الحال لمجرد أن أسرتها بسيطة، أن علاقتها بأسرتها كانت قبل الزواج قوية ثم أصبحت تكن لها مشاعر سلبية وتتعامل معها بطريقة قاسية بعد أن سلبتها عائلتها حق اختيار الزواج، في وقت لا تستطيع معاملة زوجها بالحُسنى لأنها تشعر وكأنها تعيش في سجن. وقالت الزوجة لـ”العرب” إنها رغم إنجابها لطفلين لكنها لا تعيش سعيدة وخسرت كل شيء، أسرتها ونفسها ومستقبلها، وعندما باحت لوالدتها بذلك برّرت الأم موقف أسرتها في الماضي بأنها كانت تبحث لها عن زوج ميسور الحال ودور والدها أن يختار لها من يحافظ عليها بزعم أن تدخل الأب في زواج أولاده “تكليف إلهي”. ولا تتوقف التدخلات الأسرية في حياة الأبناء عند الوصول إلى مرحلة الزواج على مجتمع بعينه، لكنها أصبحت ظاهرة عربية تستدعي أهمية تدخل المؤسسات الدينية بشكل أكبر لتحديد سلطة الآباء وصلاحياتهم طالما أنهم يتدخلون في مصائر أولادهم ويجبرونهم على الزواج من أشخاص بعينهم ويحتمون بالدين والشريعة بحجة أنهم الأحرص على صون الأسرة وحمايتها. وترى أصوات مؤيدة لحتمية وجود دور بارز للمؤسسات الدينية في هذا الشأن أن رفع الحماية الدينية عن تصرفات الآباء والأمهات تجاه الأبناء بداية لتغيير ثقافة الأسر من خلال تحريم التدخلات في ما يخص الحياة الزوجية للأبناء، بحيث يتم ردع العائلات التي تنتهج هذا السلوك واللجوء إلى النصوص الفقهية لتبرير موقفها. ودعا شيخ الأزهر أحمد الطيب من قبل المؤسسات التشريعية في البلدان العربية والإسلامية إلى سن قوانين تصون حقوق الأبناء من تسلط الآباء عند الزواج لأن الإجبار على الارتباط بشخص معين يسيء إلى الدين الذي يحتمي به البعض لتمرير تدخلاتهم. ووفق دراسة سابقة أعدها الاتحاد النسائي العربي، هناك تدخلات مجحفة من الآباء في إرغام الأبناء على الزواج من أشخاص بعينهم، وذهبت الإحصائيات إلى أن 12 في المئة من السيدات العربيات يخترن شركاء حياتهن دون تدخلات أسرية، ما يعني أن الأمر تجاوز الحالات الفردية ليصبح ظاهرة تقف وراءها دوافع مختلفة. وأكد محمد هاني استشاري العلاقات الأسرية وتقويم السلوك بالقاهرة لـ”العرب” أن ضغط الأسر على الابن أو الابنة للزواج من شخص بعينه يدفع الضحية إلى أن تعيش حياة غير مستقرة، والخطر أن ينعكس ذلك على العلاقة بالشريك التي قد تصل حد الكراهية، ولا توجد مودة وتفاهم، ما يسرع من وتيرة انهيار العلاقة، وربما قبل أن تبدأ. وثمة إشكالية أخرى أكثر تعقيدا، وفق الاستشاري محمد هاني، تكمن في أن إجبار الأبناء على الزواج ممن لا يرغبون يقود إلى الطلاق الصامت والخرس الزوجي، حيث يعيش الطرفان تحت سقف واحد بلا عاطفة، وتصبح العلاقة قائمة على الندية وحب السيطرة، وغالبا ما يحدث عنف نفسي وجسدي بسبب غياب المودة بين الشريكين، لأنهما لم يختارا بعضهما دون تدخلات أسرية. ◙ حالات الزواج بالإكراه تنتشر بين الأسر البسيطة التي ترى أن التدخل في اختيار شريك الحياة واجب ◙ حالات الزواج بالإكراه تنتشر بين الأسر البسيطة التي ترى أن التدخل في اختيار شريك الحياة واجب ويرى متخصصون أن التصدي للزواج بالإكراه يحتاج إلى حلول واقعية، بينها الاعتماد على نماذج حية لشباب وفتيات فشلوا في حياتهم العائلية لتدخلات الأهل في اختيار شريك الحياة، ويتم ترهيب الأسر من تداعيات الإصرار على هذه السلوكيات. ولفت محمد هاني إلى أن الرأي الديني مهم في معالجة الأزمة، لأن هذه العادة تنتشر بين البعض من الأسر المتدينة، وخطاب التحريم من التدخلات الأبوية الفجة قد ينقذ انهيارات أسرية مستقبلية، لكن الأمر في حاجة إلى إستراتيجية واقعية للمواجهة. وطالما تعاملت الأسر مع الزواج أو اختيار شريك بعينه للابن كحق مكتسب للأسرة، فهذه القناعة في حاجة إلى الطعن فيها بطرق كثيرة، ولا يجب التعويل على التحريم الديني وحده في مواجهة الظاهرة، فالقضية برمّتها في حاجة إلى مشاركة المساجد والكنائس ووسائل الإعلام والمنظمات الأهلية ودعمها، فضلا عن واقعية المواجهة نفسها. ومن المستبعد أن تتغير قناعات الأسر قبل أن تشعر بخطورة تصرفاتها، وهذا يستدعي أن تكون المواجهة بأرقام وإحصائيات تتعلق بحالات طلاق وانتحار وخيانات زوجية بسبب تدخلات الأهل في اختيارات الأبناء، مع تسجيل معايشات إنسانية لفتيات أجبرن على الزواج وانتهى بهن الحال إلى الطلاق. وهناك من يزوج ابنته قهرا ليرفع عن نفسه عبء الإنفاق المادي في ذلك الوقت، ثم تحمل لقب مطلقة لتصبح عبئا اقتصاديا ونفسيا وأسريا عليه بعد ذلك.

مشاركة :