لم تعد الثقافة الأوروبية محصورةً في جغرافية أوروبا التقليدية، فهي أيضاً تشمل أميركا وكندا وأستراليا ونيوزيلاندا من حيث هيمنة العنصر العرقي الذي هو «الرجل الأوروبي الأبيض» وليس المرأة ولا الأعراق الملونة، وعلامة ذلك أنك سترى جمهورية أفلاطون تحكم النسق الثقافي الذي يثوي خلف الوعي المترسخ في هذه البيئات، ومذ بنى أفلاطون كتابه على ثنائية «العبد/ السيد» وجهر بالقول: إن الحرية والمساواة شر مؤكد، لأنها تساوي بين العبد والسيد، فقد ترتب على ذلك أن أصبحت العدالة والحرية والمساواة للأقوى، وظل هذا ماثلاً في الأنساق الثقافية في الثقافة الأوروبية من زمن جمهورية أفلاطون إلى زمن أميركا وأوروبا الديموقراطيتين، وفي هذه الثقافة يتجلى السلوك الازدواجي بين وعي يقول بالمثل العليا مقابل واقع يتصرف بطبقية وإقصاء، أي باستعادة ثنائية العبد/ السيد، وفي ذلك قال راسل بمفهوم الحرية السالبة، وهي تفسير لظهور ظاهرة الاستعمار، حيث سترى الدول التي تقول بالحرية تتجه لاستعمار الدول الأخرى، فاجتاحت أفريقيا وآسيا واستعمرتها، كما خطفت الأفارقة وجلبتهم إلى أميركا وجعلتهم عبيداً بالمعنى الحرفي للكلمة، وهذا نتيجة لاجتماع القوة مع الحرية، وكل قوي حر سيتحول لمستبد، والثقافة الأوروبية التي أنتجت ديكارت وكانط وهيجل أنتجت أيضاً نابليون وهتلر وأنتجت الاستعمار، وكما سنرى في أميركا، حيث وصل أوباما لسدة الحكم وفي الوقت ذاته يجري قتل السود بيد البوليس في شوارع كبريات المدن في زمن حكم رجل أسود، فواحد أسود هو الرجل الأول في بيت الحكم، وأسود آخر يُقتل في الشارع، وهذه صورة للنسق الثقافي حيث يتجاور الوعي والنسق المضمر في آن واحد، وتظل ثنائية «العبد/ السيد» تحكم المعنى الثقافي، لترى الفيلسوف مع الطاغية وهي ثنائة ثقافية أوروبية ظلت تتجذر على مر العصور، وقد تختفي على مستوى الوعي الظاهري، ولكنها تبرز كلما حانت لها فرصةٌ في البروز. وفي لحظة نهضة أوروبا التي غيرت مسارات الثقافة البشرية ظهر معها الاستعمار، ونابليون ظهر بعد ثورة التنوير في فرنسا واجتاح ألمانيا في حياة هيجل وحدثت الصدمة الكبرى لهيجل حين شاهد جحافل نابليون تدق على أسوار مدينته، وهنا تقابل الوعي مع النسق، كما تقابل الوعي مع النسق في زمن أوباما، ثم جاءت مظاهرات «حياة السود مهمة» التي هي تعرية للثقافة الأميركية وكشف للمستور النسقي الذي ظل كما كانت جمهورية أفلاطون قبل قرون، وهذه هي الثقافة الأوروبية ذات الوجوه.
مشاركة :