د. عبدالله الغذامي يكتب: الشعر والفلسفة وجوه أخرى

  • 6/4/2022
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

ظلَّت مقولة الشعر ديوان العرب تتعزز مع الزمن، ومن أهمية هذه المقولة أنها وردت منسوبة للكثيرين من شيوخ العربية وتتردد في كتب الأولين واللاحقين، فالشعر موصوف كما ورد عند ابن قتيبة بأنه (سِفر حكمة العرب، ومستودع أيامها، والسور المضروب على مآثرها، والخندق المحجوز على مفاخرها، والشاهد العدل يوم النفار، والحجة القاطعة عند الخصام)، وأهم ما في هذا الوصف هو القول: إن الشعر كتاب حكمة العرب، وتبعاً لذلك وبالضرورة، فإن الشعر أيضاً هو سجل النسق الثقافي العربي، وهو نسق فحولي تجلى في تلازم مصطلح الفحولة مع الشعر صفةً وتمثلاً، وتلازمت مع هذا صفة الطبقية، فالشعراء طبقات وهذا تمييز ذهني وثقافي يماثل التمييزات المجتمعية وكذا فالشعر في جذره الأول ذكوري كما أن المجتمع وثقافته في غالب توجهها ذكورية، وسيظل الشعر العربي كاشفاً نسقياً بمثل ما أنه سجل الذاكرة العربية وسِفر الحكمة والنسق معاً، وفي المقابل، فإن الفلسفة هي ديوان أوروبا، قديماً وحديثاً، وهي سِفر حكمة أوروبا، وكذلك سجل نسقيتها، ومنذ أفلاطون وثنائية العبد السيد تمثل الطبقية الفلسفية، وكذلك ذكورية الفلسفة لدرجة وصف أفلاطون بأن المراة نصف رجل، ومن باب تمكين الطبقية، فقد جهر أفلاطون بأن الحرية والمساواة شر، لأنها تساوي بين العبد والسيد، وظل هذا المعنى يهيمن على العقل الغربي ولذا استعمرت أوروبا العالم غير الأوروبي وجاءت قصيدة كيبلينج (عبء الرجل الأبيض) التي تصف الاستعمار بأنه مسؤولية عقلية وحضارية وأخلاقية ومن واجب الغرب القيام بها لأنه الأعلى عرقاً وعقلاً، حسب النسقية الغربية وهكذا تتضح العلامات الثقافية النسقية في طبقية الشعر عربياً وفي طبقية الفلسفة غربياً، ولما تزل هذه النسقية تكشف عن نفسها عبر السلوك الاجتماعي نتيجة للصور الذهنية المغروسة في نسيج المرجعيات الثقافية الكبرى، لكل أمة من الأمم، حيث تعشعش الطبقية متوسلة بالجمالي من حيث إن الشعر هو أرقى جماليات اللغة والفلسفة هي أرقى درجات العقلانية، وما بين الجمالية والعقلانية يتسلل النسق حتى ليجعل الذات الفحولية تجنح لمنح نفسها درجات تضمن لها التفوق على غيرها ممن سيكونون عندها على مستوى أقل وبحاجة لوصاية من الذات صاحبة المقام الأعلى، وهذه وجوه للشعر وللفلسفة تختبئ تحت إهاب الجميل والعقلاني، وتسرب القبحيات والعنصريات بحراسة من النسق الثقافي المهيمن، ومن ثم الحكم الأولي عليه.

مشاركة :