مستويات جمالية للمكان في مهرجان الفنون الإسلامية

  • 1/10/2016
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

استطاع الفنانون المشاركون في مهرجان الشارقة للفنون الإسلامية في دورته الجديدة الوصول إلى العلاقة التي أنشأها الفن الإسلامية مع المكان، إذ كشفت أعمالهم المشاركة في المهرجان عن تمحوّر ملحوظ حول هذا المكان بمختلف تجلياته، فلم يكن العمل الفني خارجاً عن حيز القصر، أو المسجد، أو البيت، أو حتى الفضاء المفتوح. ظهر ذلك في مجمل التجارب والأعمال الفنية المقدمة في المعرض، أما تلك الأعمال التي خرجت من المكان بصيغته الجغرافية، أو المعمارية، فكانت قليلة وتعد على أصابع اليد الواحدة، وتشكل جهدها في تقديم البورتريه الشخصي للنساء المحجبات وبعض الأعمال الحروفية الأخرى، فيما عدا ذلك ظلت التجارب تدور في فلك المكان وقدمت أطروحات مهمة في هذا الفضاء. يرتبط ذلك الاشتغال بواحدة من السمات التي تحكم الفنون الإسلامية بصورة عامة، من حيث تتبع جماليات المكان، وتلك المحاولات التي تملأ فضاءه البصري بأشكال عدة سواء كانت حروفية، أو زخرفية، أو معمارية، كما تمت دراسة الدور الوظيفي للمكان إلى جانب دوره الجمالي، وهو الذي تتبعته مجموعة من الدراسات التي قدمت في هذا الإطار، ففي الوقت الذي رأى فيه بعض الدارسين أن تلك التجارب جاءت لأغراض وظيفية تتعلق بالمعمار وحسب، وجد آخرون أنها قدمت في إطار تزييني وجمالي، وتم الاستشهاد على ذلك بعدد من الخزفيات التي عُثر عليها، وكانت تعلّق على الجدران مثلما هو حال اللوحة في الفنون الحديثة. لا يمنع ذلك، الحديث عن مركزية العمارة في الفنون ألإسلامية، إذ استطاع المعمار الإسلامي أن يكرس كل أشكال الفنون إلى مصلحته، وينفذها في سياقات جمالية مختلفة قائمة في الهندسة المعمارية الإسلامية، كما هو في الزخرفة، والخط، والخزف، والسجاد، والمنمنمات، والفسيفساء، وغيرها من الفنون. يؤكد ذلك العلاقة التي تشكلت بين الفنون الإسلامية ومشروع التحضر والاستقرار في المنطقة، فمع وصول المنطقة العربية إلى مرحلة من الحضر في البيت الثابت، أو القصر، أو غيرها من العمائر الثابتة، صارت العناية بالجمالي أكثر من الوظيفي، إذ لا يمكن قراءة الفنون الإسلامية من دون تتبع سيرتها في الآثار التي تركتها سواء في المساجد التاريخية أو المساجد الكثيرة في البلدان العربية والإسلامية. ظهر الاشتغال على المكان في مهرجان الفنون الإسلامية، في أكثر من صيغة، فهناك على سبيل المثال: الصور الفوتوغرافية التي تجسد البيوت، والمساجد القديمة، وهناك أيضاً الأعمال الحروفية التي تتشكل على صيغة أبنية معمارية، إضافة إلى مختلف الفنون التي عالجت السجاد، أو العمل الفني التركيبي الهندسي، أو العمل التفاعلي البصري. كل تلك الاشتغالات ظلت تدور في فلك المكان رغم المستويات المتعددة التي تمظهر فيها هذا الاشتغال، فالمكان تشكّل في أعمال المهرجان بعدة تصورات، أبرزها: العمارة الإسلامية عبر الصور، أو الخط، أو اللوحة المرسومة، والشكل البنائي المشغول في تجسيد جانب من مفهوم العمارة الإسلامية، ومختلف المشغولات التي قدمت السجاد، أو الخزف، في إشارة إلى المكان بوصفه البيت أو القصر أو المسجد. يمكن قراءة هذا المستويات الثلاثة في أعمال المهرجان عبر عدة منطلقات، إذ يقدم الفنان بن جونسون من المملكة المتحدة أعمالاً فنية تحت عنوان الحمراء، غرناطة، هي عبارة عن صور فوتوغرافية بالأبيض والأسود لقصر الحمراء في غرناطة، كاشفاً عن الكثافة الزخرفية التي يشتمل عليها القصر، حيث يلتقط هذا القصر من زوايا داخلية تجمع بين الفضاء الداخلي والخارجي له، في محاولة منه لتلمس جماليات النور: بوصفه ثيمة المهرجان للعام الحالي، كما يكشف بن جونسون في ذات الإطار عن العلاقة بين المعمار والمكان بصورته الأشمل في الفن الإسلامي. لا يعد اشتغال جونسون على قصر الحمراء، استعادة لجماليات المعمار الإسلامي بصورة مباشرة وحسب، وإنما يكشف الرؤية التي ينطلق منها الفنان الغربي تجاه الفنون الإسلامية، إذ يتربع فن العمارة على صدارة هذا التصور الجمالي ولا يمكنه الوصول إلى روح الفن الإسلامي وفلسفة تطوره من دون تتبع مشوار تحولاته في المعمار الذي هو الآخر يمثل وجهاً من أوجه المكان. الأمر ذاته يظهر في عمل الفنان المصري سامح الطويل، ففي الوقت الذي يقف جونسون عند الزخرفة في العمارة الإسلامية، يذهب الطويل إلى فكرة النوافذ والأبواب في العمارة المصرية الحديثة، وأثر الفنون الإسلامية فيها، مقدماً بذلك عدداً من الصور الفوتوغرافية لأبنية قديمة، تكشف عن واحد من الملامح اللافتة في العمارة الإسلامية، من خلال النوافذ والأبواب العالية. يمكن دراسة هذا الأثر الجمالي في المكان، من خلال تتبع الدلالات العميقة لمختلف الأعمال المقدمة في السجاد الإسلامي، حيث عملية الربط بين الأعمال وفكرة الاشتغال على المكان، فالعائد إلى تاريخ صناعة السجاد في الفنون الإسلامية، يجد أن لكل بلد نوعاً من السجاد المعروف بخامات صناعته، وعدة أنواع من الزخارف التي يشتمل عليها، وحتى في الأحجام، وأساليب استخدامها، ففي بعض البلدان يستخدم السجاد للتعليق على الجدران، إلى جانب استخدامه في الأرضيات. ينكشف هذا في أعمال الفنان الأذري فائق أحمد الذي قدم تصورات مغايرة للسجاد في أعماله يحاول من خلالها كسر الصورة النمطية لشكل السجاد عبر تقنيات تجعل من قطعة السجاد مساحة للرسوم الثلاثية الأبعاد، معيداً بذلك الصورة القائمة بين المعمار والسجاد، والسجاد وبلد صناعته، والهوية البصرية القائمة في زخارفه وأشكاله وخامات إنتاجه. كما يمكن تتبع هذا المنظور الجمالي في أعمال سارة تشودري من المملكة المتحدة التي تقدم الفن الإسلامي من خلال تطور الفن الرقمي، هنا يشتغل التجريب في الفن بوصفه وسيلة لربط الثقافات وتواصلها وهو الذي يؤسس لمنظور تفاعلي من خلال الفن.

مشاركة :