مع تعافي الدول ببطء من جائحة كورونا كوفيد - 19، آن الأوان لتقييم تداعيات الاستجابة للتصدي للجائحة على قطاع الحماية الاجتماعية، وتحديد الأولويات الاستراتيجية الجديدة. وتنبئنا دروس التاريخ بأن الأزمات في الأغلب ما تؤدي إلى تسريع وتيرة النهوض بالحماية الاجتماعية بفضل زيادة التقدير لأهميتها، والدروس المستفادة بشأن أوجه النقص في الأنظمة التي تتكشف بين ثنايا الأزمة، والدراية التي تتولد من رحم الاستجابة. ويصدق ذلك تماما على حالة الجائحة. من هذا المنطلق، بدأنا في البنك الدولي تحديث استراتيجيتنا لقطاع الحماية الاجتماعية والوظائف التي يطلق عليها أيضا بوصلة الحماية الاجتماعية والوظائف. وتقدم هذه البوصلة دليلا نسترشد به في تعاوننا مع الدول لاستخلاص الدروس من جائحة كورونا، والأهم من ذلك، العمل بخطى حثيثة لبناء أنظمة للحماية الاجتماعية الشاملة تساعدها على تحسين الحماية والمساندة لشعوبها في المستقبل، والبدء دائما بأشد الناس فقرا والأكثر احتياجا. جائحة كورونا حفزت على اتخاذ آلاف من تدابير الحماية الاجتماعية، لكن التزام الدول في هذا الصدد ما زال ينقصه الوضوح. تبين أن الجائحة كانت عاملا رئيسا في زيادة تركيز اهتمام العالم على الحماية الاجتماعية. وعلى مدار عامي 2020 ـ 2021، نفذت الدول في شتى أرجاء المعمورة، نحو أربعة آلاف تدبير للحماية الاجتماعية في إطار التصدي لتداعياتها الاقتصادية. ووصلت التحويلات النقدية وحدها إلى نحو 1.4 مليار نسمة أو شخص واحد من كل ستة أشخاص في العالم. وضاعف البنك الدولي حجم محفظة مشاريع ما قبل الجائحة للحماية الاجتماعية، فقدم أكثر من 14 مليار دولار إلى 60 بلدا، 16 منها تعاني أوضاع الهشاشة والصراع، ما عاد بالنفع على زهاء مليار شخص في شتى أنحاء العالم. مع أن هذه الاستجابة كانت غير مسبوقة، وحملت في ثناياها كثيرا من التدابير المبتكرة، فإن الدول تباينت تباينا واسعا من حيث سرعة وحجم ونطاق تقديم المساعدات الاجتماعية. وواجه كثير من الدول تحديات في تلبية احتياجات القطاع غير الرسمي من الاقتصاد، حيث عجزت أنظمة تقديم الخدمات في الأغلب عن الوصول إلى "الوسط المفقود" في سلم توزيع الدخل. وفي المحصلة النهائية، ليس واضحا ما إذا كانت أحداث الأعوام القليلة الماضية ستكون على الدوام حافزا للدول لتعميق التزامها بالحماية الاجتماعية. وهناك بعض الإشارات التي تبعث على القلق. فلم تكد الدول تبدأ بالتعافي من الجائحة، حتى أصابتها صدمة عالمية كبيرة أخرى تمثلت في تضخم أسعار الغذاء والوقود. ومرة أخرى، استجابت الدول في مواجهة الصدمة. لكن في استجابة التصدي لجائحة كورونا استخدمت الدول في الأغلب الأعم برامج التحويلات النقدية الموجهة لفئات معينة، أما الاستجابة للأزمة الجديدة فقد اعتمدت بدرجة أكبر بكثير على إعانات الدعم، ولا سيما للوقود والغذاء وخدمات المرافق، وهي إعانات لم تكن في الأغلب موجهة. وقد يكون لهذه التدابير دور مهم يمكن أن تضطلع به، لكنها في العادة أقل تصاعدية وأقل كفاءة بكثير من البدائل الأخرى. وبشأن بناء أنظمة للحماية الاجتماعية الشاملة لمجابهة الصدمات في المستقبل، وبناء على ما سبق، ما النصيحة التي ينبغي أن نقدمها لواضعي السياسات لمساعدتهم على تفادي الوقوع في هذه المزالق؟ باختصار، لقد أصبح من الضروري الآن أكثر من أي وقت مضى، أن تبني الدول أنظمة للحماية الاجتماعية الشاملة... يتبع.
مشاركة :