موجبات الحماية الاجتماعية المعممة «2 من 2»

  • 2/1/2019
  • 00:00
  • 11
  • 0
  • 0
news-picture

كثير من الحكومات تنظر في تخفيض فاتورة الأجور أو وضع حد أقصى لها وتطبيق إصلاحات في نظم الرعاية الصحية والحماية الاجتماعية دون أن تولي اهتماما كافيا لآثارها الاجتماعية ــــــ بالعمل مثلا على توجيه النفقات إلى الفقراء بدلا من توسيع نطاق تغطية الحماية الاجتماعية ليضم الطبقات المتوسطة. أما الإصلاحات التي يكون وراءها هدف مالي فهي غالبا ما تقلل الدعم والنفقات للأغراض الاجتماعية التي تعود بالنفع على غالبية السكان، وتستبدلها بشبكة أمان لأفقر فئات السكان، وهي بذلك تحرم الطبقات المتوسطة ــــ يشار إليها في بعض الأحيان بـ "المتوسطة الضائعة" من نصيبها في نتائج التنمية. وفي الاقتصادات النامية، تحصل الطبقات المتوسطة على مستويات دخل متدنية للغاية ويجب دعمها بسياسات تنموية مختلفة، منها توفير الحماية الاجتماعية الكافية. ومن شأن الأصوات التي تعالت أخيرا تنادي بتخفيض مساهمات أصحاب العمل في نظام التأمينات الاجتماعية، وهو ما يعرف بضرائب العمل، أو وضع حدود قصوى شديدة الانخفاض للدخل القابل للتأمين، أن تدمر نظم الضمان الاجتماعي بتقييد مواردها وتجريدها من قدرتها على الاستمرار، ومن ثم زيادة الفقر وعدم المساواة. فالتأمينات الاجتماعية تضطلع بدور أساسي في ضمان توفير مستويات كافية من الحماية وتتعين تقويتها. أما الاعتماد على المدخرات الفردية فلا يحقق حماية ذات جدوى لمعظم الناس. ولا تلتفت هذه الاقتراحات إلى تجارب خصخصة معاشات التقاعد، المطبقة في نحو 30 بلدا، ولم تحقق النتائج المتوقعة. وكان أداء برامج الخصخصة الكاملة أو الجزئية قاصرا: فظل نطاق التغطية ثابتا، وانخفضت المنافع، وتفاقم عدم المساواة بين الجنسين، ووجد أن التكاليف الإدارية مرتفعة للغاية. وانتقلت المخاطر التي كانت تهدد النظام المالي إلى الأفراد، وساءت المراكز المالية كثيرا نظرا لارتفاع تكاليف هذا التحول. وكثير من البلدان التي شرعت في خصخصة نظم معاشات التقاعد بدأت الآن تتراجع عن هذه الإصلاحات. وينبغي أن تكون برامج الادخار الخاصة خيارا طوعيا للقادرين على الادخار، لكنها لا ينبغي أن تحل محل التأمينات الاجتماعية العامة الإلزامية. تتصدر الحماية الاجتماعية المُعَممة جدول أعمال التنمية، ويعمل حاليا ما يزيد على مائة بلد نام على بناء نظم الحماية الاجتماعية وتوسيع نطاق منافعها بسرعة لتغطي فئات جديدة من السكان. وعادة ما يتحقق توسيع نطاق التغطية بتوفير التأمينات الاجتماعية للقطاع غير الرسمي، تدعمه المساعدات الاجتماعية. وبناء نظم حماية اجتماعية شاملة للجميع يعني أن تكون قادرة على التكيف مع التغيرات الديمغرافية، ومع عالم العمل الآخذ في التطور، ومع الهجرة، والأوضاع الهشة. وفيما يتعلق بالتغيرات الديمغرافية، تخضع نظم معاشات التقاعد العامة بصفة مستمرة لتعديلات معيارية طفيفة يتوقع منها، إذا كانت مصممة على نحو جيد، أن تحقق التوازن بين العدالة والاستدامة المالية، بما يضمن تحقيق الهدف الرئيس من نظم التقاعد، وهو تأمين دخل للأشخاص الأكبر سنا. ويجري كذلك تطويع نظم الحماية الاجتماعية لتواكب الأشكال الجديدة من توظيف العمالة. فالبلدان تعمل على تجربة وسائل مبتكرة بشكل كبير لمد نطاق الحماية الاجتماعية كي تغطي العاملين في الاقتصاد غير الرسمي وتسهل انتقالهم إلى الاقتصاد الرسمي. فعلى سبيل المثال، قام عدد من البلدان في أمريكا اللاتينية بمد نطاق التغطية ليشمل عشرات الآلاف من المشروعات وأصحاب العمل الحر من خلال دعم مقترن بآلية مبسطة للضرائب ومساهمات الضمان الاجتماعي يطلق عليها "مونوتاكس" monotax. وخلاصة القول إن من شأن نظم الحماية الاجتماعية المُعَممة، بما فيها الأرضيات، أن تبلور شكل البلدان بقوة، وأن تعزز رأس المال البشري والإنتاجية، وتحد من الفقر وعدم المساواة، وتسهم في النمو الاحتوائي وفي بناء السلام الاجتماعي. وبرغم بعض حالات الانتكاس لفترات قصيرة نتيجة ضبط المالية العامة وعدم كفاية الإصلاحات، فإن البلدان تتقدم بسرعة نحو توسيع نطاق تغطية الضمان الاجتماعي، وتقوية التأمينات الاجتماعية العامة والمساعدات الاجتماعية. ويقوم كل من منظمة العمل الدولية وشركاء التنمية الآخرين بأدوار مهمة في مساعدة البلدان على أن تجعل هذا الهدف الإنمائي حقيقة تشمل الجميع. اخر

مشاركة :