التلقي عند الجاحظ (1)

  • 10/21/2022
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

معيار (الاستعداد)، و(شدُّ الانتباه وتحقيق استجابته)، و(تحقيق التلقي)، و(الاهتمام بالحالة النفسية)، و(تحقق التأثر والاستجابة)، و(منتج النص)؛ تلك -إذن- ستة معايير أشار إليها الجاحظ، وحددها لعملية التلقي في (البيان والتبيين)، قام برصدها ببراعة الدكتور محمد المبارك في كتابه استقبال النص عند العرب. فعن معيار الاستعداد، يقول الجاحظ: «لا تُقبِل بحديثك على مَن لا يُقبِل عليك بوجهه». وقال عبدالله بن مسعود: «حدِّث الناس ما حَدجوك ولحظوك بأبصارهم، فإذا رأيت منهم فترة فأمسك». وفي هذا السياق يقول بعض الحكماء: «من لم يَنشط لحديثِك فارفع عنه مُؤنة الاستماع إليك». وبهذا تتجسّد معاني الإقبال من طرف المتلقي واستعداده للاستقبال، في حركات جسمانية عبر العين في اللحظ والإبصار= (حَدجوك، ولحظوك)، فإنْ انعدمت تلك الشروط، فمن الحقيق بصاحب الكلام أن يُعرض عن الطرف الآخر؛ لأنّه غير مهتمٍّ به منذ البداية، وهو ما يدعو إلى وقف عملية التواصل حتى قبل أن تبدأ أولى مراحلها= (فارفع عنه مُؤنة الاستماع إليك). أمّا عن معيار شد انتباه المتلقي وتحقيق استجابته، فيذكر الجاحظ: «قِيل لعمرو بن عبيد: «ما البلاغة؟» فرد على السؤال، وكان السَّائل يعلق بقوله: «ليس هذا ما أريد»، إلى أن قال ابن عبيد: «فكأنَّك إنَّما تريد تحبير اللَّفظ وحُسن الإفهام»؟، قال: «نعم»، قال: «إنَّك إن أردت تقرير حجَّة الله في عقول المتكلِّمين، وتخفيف المُؤنة على المستمعين، وتزيين تلك المعاني في قلوب المُريدين بالألفاظ المستحسَنة في الآذان، المقبولة في الأذهان، رغبةً في سرعة استجابتهم، ونفي الشَّواغل عن قلوبهم، بالموعظة الحسنة على الكتاب والسنَّة كنتَ قد أوتيت فصل الخطاب». ولعلّ أول ما يكشفه النص السابق، هو موافقة الجاحظ لصاحب القول في مفهومه للبلاغة، كما يكشف -أيضًا- مدى حضور الاهتمام منه بالمتلقي؛ باعتبار المتلقي جوهر العملية الإبداعية، الأمر الذي ينتج استجابة سريعة ومباشرة لما يُريده المتكلم. أمّا النتيجة المرجوة من هذا كله، فمرده إلى تحقيق (فصل الخطاب)، الذي يكون على أساسٍ من القرآن الكريم والحديث الشريف، وهذا قريب من تعبير فولفغانغ آيزر بأنَّه «مفهوم إجرائي ينم عن تحول التلقي إلى بنية نصية نتيجة للعلاقة الحوارية بين النص والمتلقي، ويعبر عن الاستجابات الفنية التي يتطلبها فعل التلقي في النص». يتبع،،،

مشاركة :