يتمتع التراث العربي بمكانة مرموقة، وهناك أسماء مبدعة عبر العصور وفي مقدمهم أبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ، الذي يعتبر أحد أهم الاسماء اللامعة في سماء الأدب العربي.والجاحظ اسمر البشرة واختلفوا في جذوره وحصل على لقب الجاحظ بسبب جحوظ عينيه.وقال ابن خلدون ان أبرز كتب الأدب كتاب أدب الكاتب لابن قتيبة وكتاب الكامل للمبرد وكتاب البيان والتبيين للجاحظ وكتاب الامالي لابي علي القالي.وكان الجاحظ فقيرا عمل في بيع السمك والخبز في النهار ويقرأ ما يستطيع في المساء وكان دميما الا انه كان خفيف الدم يميل الى الفكاهة التي برزت في كتاباته.وتغص المكتبة بالكثير من المؤلفات عن الجاحظ ومؤلفاته وإبداعاته التي ما زالت تجد اهتماما كبيرا لدى الكثير من الباحثين والادباء، وقد تسنت لي الفرصة للاطلاع على تحقيق وشرح العلامة عبدالسلام هارون لكتاب الحيوان للجاحظ، اذ انني اود الاشارة الى انني استمتعت كثيرا بالمقدمة التي هي بمثابة مقطوعة أدبية راقية تعكس مدى ثقافته، ولقد اعتمد هارون على نسخ عدة اهمها النسخة المصورة المحفوظة في دار الكتب المصرية تحت رقم 4285، وكل من قرأ الكتاب فانه سيلمس الجهد الكبير المبذول من قبل المحقق الذي كان مميزا في الكثير من جمله التي علق بها على الكتاب، حيث أشار الى ان الجاحظ إمام من أئمة البيان في العربية وليس من الاسراف والمغالاة ان نعده زعيم البيان العربي، وكان الجاحظ في العصر الذهبي للامة العربية، حيث عصر هارون الرشيد والمأمون، والعلوم والاداب والفنون يؤمئذ تزخر بها معاهد البصرة وبغداد والكوفة وقرطبة وسائر عواصم الاسلام، وكان التأليف والترجمة لهما دوي النحل. ولم يكن هم الجاحظ هم غيره من المؤلفين في الجمع والرواية والحفظ وانما كان همه ان يبتكر وان يطرف وان يخلق للناس بديعا يمسح جميعها بالدعابة والهزل ويشيع الفكاهة في أثناء الكلام فجمع بذلك قلوب القارئين اليه.وقد سبق اليونانيون أسلافنا العرب الى التأليف في علم الحيوان اهمها ما ترجمه ابن البطريق من اليونانية الى العربية، ولارسطو كتاب في نعت الحيوان غير الناطق وما فيه من المنافع والمضار، إلا ان الجاحظ اول واضع لكتاب عربي جامع في علم الحيوان وإن سبقته بعض المحاولات من قبل الاصمعي وأحمد بن حاتم الباهلي واخرين اذ كتبوا عن الابل، وابن قتيبة وابن الاعرابي اذ كتبا عن الخيل، الا ان كتاب الجاحظ ينطق بين يديك بالقصد العلمي التفصيلي للحيوان جميعا، ولكل مملكة من ممالكه ولكل جنس من أجناسه وهو فضل للجاحظ على جميع من سبقه او عاصره وإن أعوزه بعض الترتيب والتهذيب فهو شأن كل كتابة جديدة. وبين ان المصادر التي لجأ اليها الجاحظ في كتابه الحيوان هو القرآن الكريم وأحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام والشعر العربي، فالعرب تحدثوا عن الابل في شعرهم وأطالوا الكلام، ويرى الجاحظ ان العرب والاعراب منهم خاصة قد ثقفوا معرفة الحيوان وبرعوا فيه وهو يقول في ذلك: «وقل معنى سمعناه في باب الحيوان من الفلاسفة وقرأناه في كتب الاطباء والمتكلمين الا ونحن قد وجدناه أو قريبا منه في اشعار العرب والاعراب».وقد رد الجاحظ عبر الشعر العربي على أرسطو وما قاله عن عقوق العقاب وجفائها لأولادها فأما أشعار العرب فإنها تدل على خلاف ذلك.والغريب ان الجاحظ قد قام بتأليف كتابه الحيوان الذي بذل فيه جهدا كبيرا وهو معتل الصحة في سن متقدمة، وها هو يصف نفسه قائلا «انا من جانبي الايسر مفلوج فلو قرض بالمقاريض ما علمت به ومن جانبي الأيمن منقرس فلو مر الذباب لالمت».ومن الدرر التي ذكرها الجاحظ في كتابه الحيوان:«وكانوا اذا أصاب إبلهم العر قاموا بكي السليم ليدفعه عن السقيم، وكانوا اذا كثرت إبل احدهم فبلغت الألف فقئوا عين الفحل فان زادت عن الألف فقئوا العين الأخرى».* كاتب وفنان تشكيلي كويتي
مشاركة :