منذ أن بدأت أزمة السكن تطفو على السطح وتحديدا مع بداية الألفية الجديدة بسبب الفكر التقليدي للتطوير والذي لم يتجاوز تخطيط الأرض وايصال الكهرباء والسفلتة مرورا باحتكار الأراضي والمتاجرة بها، وضعف أداء القطاعات الحكومية المعنية بشؤون الاسكان، وعدم وجود جهة معنية تنظم عمله، وعدم تحفيز قطاع التطوير العقاري، وتشجيع البناء الفردي، وعدم إيصال الخدمات لأراضي المنح، ومنع تعدد الأدوار، وضعف اهتمام البنوك بتمويل القطاع العقاري والتركيز على القروض الاستهلاكية. أصبحت الأزمة محط أنظار الجميع وبقي تغليب العاطفة على المنطق يؤكده الحوار الدائر في وسائل التواصل الاجتماعي حول قضية الإسكان والتي تحكمها العواطف دون استخدام المنطق. وللأسف فقد أدى الى الارباك وعدم القدرة على اتخاذ القرار الرشيد في وقته اعتمادا على المعطيات التي تحكم كل انسان بعيدا عن المؤثرات الخارجية. هذا ليس رأياً بقدر ما هو واقع يعيشه معظم الحالمين بتملك سكنهم الخاص، فمثلا هناك مطالبات بتخفيض قيمة القرض العقاري الممنوح من صندوق التنمية العقاري والإبقاء على نسبة 30% كدفعة للحصول على تمويل بهدف الوصول الى نتيجة تؤدي الى انخفاض أسعار الأراضي ومواد البناء والعمالة.. وهذا غير صحيح. منذ بداية قروض صندوق التنمية العقاري منتصف التسعينات الهجرية لم يكن القرض كافيا للبناء وبمساحات لم تتجاوز 150 مترا مربعا، وبعد انتهاء الطفرة عام 82م وانخفاض أسعار الأراضي التي وصلت الى أدني مستوى عام 1986م لم يكن القرض كافيا ايضا، ونفس الشيء في التسعينات والألفية الجديدة بقي القرض غير كافٍ لبناء وحدة سكنية من دورين وملحق بل قد يضاف اليه مبلغ يصل الى 100 بالمئة بالتمويل الذاتي او عن طريق البنوك. يجب ان يكون الاعتماد على تقديم الحلول المتكاملة والشاملة وليس رأيا او توصية بتخفيض قيمة القرض او الإبقاء على نسبة الدفعة الأولى للتمويل مرتفعة وتعزيز العزوف عن الشراء انتظارا لانخفاض أسعار الأراضي الى أدنى مستوى. نعم هناك انخفاض متفاوت في أسعار الأراضي ولكن معظمه في الأطراف او خارج النطاق العمراني، ولا زال محتاجو السكن يدفعون الإيجارات منذ سنوات واصحاب العقارات الجاهزة متمسكون بأسعارهم. لن تنخفض الأسعار الا بزيادة العرض وتطبيق حزمة متكاملة من الحلول والتي تسعى الدولة اليوم لتقديمها عن طريق وزارة الإسكان ومنها زيادة القروض وتنويعها، برامج الدعم السكني لمشروعات الاسكان، فرض رسوم على الاراضي البيضاء، التعاون مع القطاع الخاص من مطورين ومقاولين لزيادة المعروض من الوحدات السكنية مع تقديم الحوافز لهم كلما كانت المشروعات كبيرة وميسرة، والعمل على تخفيض قيمة الدفعة الأولى للتمويل العقاري بهدف شراء المساكن عن طريق المنشآت التمويلية لتكون 15% بدلا من 30% لتسهيل عملية الاقتراض وتمكين اكبر شريحة من المواطنين للاستفادة من القروض التمويلية.
مشاركة :