إميل أمين يكتب: واشنطن – تل أبيب.. ما بعد انتخابات الكونجرس

  • 11/18/2022
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

انتهت جولات وصولات انتخابات التجديد النصفي للكونجرس الأمريكي، وجرت المقادير على غير ما كانت التوقعات بشأن موجة حمراء عملاقة، تخيم في سماوات البلاد، وبما يعكس قدرة الجمهوريين على الهيمنة لمدة عامين على الحياة السياسية في الداخل الأمريكي. فاز الجمهوريون بأغلبية مجلس النواب، وإن كانت أغلبية ضئيلة، الإ أنها ستمكنهم بحال من الأحوال من المكايدة السياسية لإدارة بايدن، وليس أدل على صدق هذا الكلام، من الإعلان المبكر عن فتح دفاتر عائلة الرئيس بايدن، ونوع خاص ابنه هنتر، وعلاقاته الخارجية مع أوكرانيا، حين كان والده نائبا لأوباما. وعلى الجانب الآخر، احتفظ الديمقراطيون بسيطرتهم على مجلس الشيوخ، الغرفة الأعلى في الكونجرس، الأمر الذي يعني أن هناك من سيعمل على تعطيل العديد من مشروعات قرارات وقوانين الجمهوريين في مجلس النواب. على أن ما يهمنا في هذه السطور، التوقف أمام تبعات هذه النتائج على العلاقة بين واشنطن وتل أبيب، وهل هذا التشظي الأمريكي يصب في مصلحة دولة إسرائيل ذات العلاقات الخارجية الوثيقة واللصيقة بالولايات المتحدة الأمريكية، ومنذ اليوم الأول لإعلانها العام 1948. تقليديا يقال إن الديمقراطيين هم أكثر دعما لإسرائيل من الجمهوريين، لكن الناظر على سبيل المثال لإدارة ترامب الجمهورية، يدرك أنها أقدمت على ما لم تقم به أي إدارة ديمقراطية في تاريخ الولايات المتحدة، أي نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، في مزايدة لا تخفى عن الأعين، ما يعني أنه عندما يتعلق الأمر بدولة إسرائيل يضحى الجميع من الجمهوريين والديمقراطيين مساندين لتل أبيب وبقوة لا حد لها. على أنه وقبل الحديث عن المتغيرات في العلاقات الإسرائيلية الأمريكية، بعد انتخابات التجديد النصفي للكونجرس، ربما ينبغي أن نتوقف عند علامة استفهام أكثر إثارة، تتعلق بدعم يهود أمريكا لدولة إسرائيل، وهل هذا الدعم في طريقه للتراجع. المعروف تاريخيا أنه في أعقاب الإنذار الشهير للرئيس الأمريكي إيزنهاور لإسرائيل، بالتوقف والانسحاب من العدوان الثلاثي على مصر، تحدث بن جوريون، أول رئيس لوزراء إسرائيل، بعد قيام الدولة العبرية بالقول: “إن هذا الأمر لن يتكرر ثانية”. عمل بن جوريون عملا شاقا في طريق بلورة لوبي داعم لإسرائيل في الداخل الأمريكي، وقد كان اليقين عنده وكذا لدى الكثيرين في إسرائيل أن أي كونجرس أمريكي قوي ومستقل قادر على تدمير إسرائيل بقوة تفوق كل العرب المجتمعين من حول دولة إسرائيل الوليدة. لاحقا، أثبتت أحداث التاريخ أن هذا اللوبي الداعم لإسرائيل كان بالفعل جدار الأمان الذي لا يصد ولا يرد، والذي دعم إسرائيل طوال تاريخها، ولم يكن بناؤه التكتوني مكونا من يهود أمريكا فقط، بل الأغلبية الغالبة فيه جاءت من طرف الجماعات اليمينية المسيحية الداعمة بقوة للرؤى الثيولوجية المرتبطة بإسرائيل، وهذه قصة أخرى. مؤخرا، سلط دبلوماسي إسرائيلي سابق في الولايات المتحدة الأمريكية يدعى ناداف تامير الضوء على ما يعتبره ظواهر متنامية لإنتقاد إسرائيل داخل الأروقة السياسية الأمريكية، بالإضافة إلى التراجع في حماس بعض يهود أمريكا، لا سيما في أوساط التقدميين والليبراليين الشباب، عن الدعم الذي كان مطلقا ذات يوم لإسرائيل. حذر ناداف، الذي شغل لسنوات عديدة منصب القنصل العام الإسرائيلي في مدينة بوسطن مما أسماه تحول هذه الانتقادات، مع إصرار إسرائيل على نهجها، من مجرد ظاهرة متنامية إلى تيار سائد في الولايات المتحدة الأمريكية، الأمر الذي يمكن أن يكون بداية مخيفة لانقلاب تدريجي أصاب السردية الإسرائيلية بين يهود أمريكا وخصوصا الجيل الشاب منهم. والثابت أنه مع سيطرة الديمقراطيين على مجلس النواب، تتزايد المخاوف من صدام قادم لا محالة بين التيار اليساري التقدمي عالي الصوت في الحزب الديمقراطي، وبين رئيس وزراء إسرائيل المكلف حديثا بنيامين نتانياهو. هذا الصدام سوف يستمر طيلة العامين المتبقيين من عمر إدارة بايدن، الصديق المؤكد لإسرائيل، من دون أدنى شك، غير أن المخاوف لا تتصل ببايدن، وإنما بالمرشحين الآخرين الساعين للرئاسة الأمريكية، من قلب الحزب الديمقراطي، وقد يخرج على تل أبيب أحد الأسماء غير الصديقة، مما يوسع من هوة الخلافات بين الجانبين. أشياء أخرى كثيرة تستدعى مخاوف تل أبيب من السياسات الأمريكية القادمة، فقد بدأت اليد الحديدية للوبي الإسرائيلي في الداخل الأمريكي تفقد قوتها التقليدية. مع وصول انتخابات التجديد النصفي إلى يوم الثامن من نوفمبر تشرين الثاني الحالي، كانت جماعات الضغط الإسرائيلية قد أنفقت ملايين الدولارات على أمل المساعدة في ترجيح كفة الميزان لصالح مرشحيهم، أي الذين يتبنون قضايا إسرائيل، ويسعون جاهدين للحفاظ على أمنها القومي.. ماذا كانت النتيجة، وما معناها ومبناها، ثم مغزاها؟ المثير هو عجز العديد من المرشحين الذين دعمتهم اللجنة الأمريكية الإسرائيلية، المعروفة اختصارا باسم “أيباك” عن الفوز، وقد كانت الخسارة الأكبر لجماعات الضغط الإسرائيلية في ولاية بنسلفانيا، حيث هزمت المرشحة التقدمية الديمقراطية، سمر لي، خصمها الجمهوري، مايك دويل، المؤيد لإسرائيل، وكانت لي، قد أثارت غضب الجماعات الموالية لإسرائيل بعد أن قامت بالتغريد للمقارنة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، وكيف يستخدم الأمريكيون مصطلح “الدفاع عن النفس” لتبرير “القوة والسلطة العشوائية وغير المتناسبة على الناس الضعفاء والمهمشين”. هل بات الجمهوريون أقرب إلى إسرائيل من الديمقراطيين؟ قد يكون ذلك كذلك، لا سيما إذا عاد ترامب إلى البيت الأبيض، أو وجد حاكم فلوريدا الجمهوري، النجم الساطع، رونالد دي سانتيس، طريقه إلى البيت الأبيض وهو المعروف بدعمه لإسرائيل.. ماذا عن هذا الأخير؟ إلى قراءة قادمة إن شاء الله.

مشاركة :