علي شندب يكتب: «نيغاتيف نصرالله» بين اتفاق الطائف واتفاق الدوحة

  • 11/20/2022
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

كلّنا يذكر أن تكليف نجيب ميقاتي بتشكيل الحكومة اللبنانية، كان نتيجة التفاهم بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ونظيره الإيراني إبراهيم رئيسي، ويومها توقفنا عند العبارة المفتاحية التي تضمّنها البيان الإيراني الفرنسي الذي صدر عقب مهاتفة ماكرون لتهنئة نظيره الإيراني: “بإمكان إيران وفرنسا وحزب الله المساعدة على تشكيل حكومة لبنانية جديدة”. ويومها أطلقنا على حكومة ميقاتي اسم “حكومة الماكريسية” الملقّحة للمبادرة الفرنسية. وقد عكست حكومة ميقاتي الماكريسية النسق الجديد لتوازن القوى في المنطقة والتي يسلّم فيها بالنفوذ الدولي لفرنسا، والنفوذ الإقليمي لإيران ويكرّس دور حزب الله برتبة “دولة”. وكلنا يذكر انفجار بركان الغضب السعودي حصاراً اقتصادياً ودبلوماسياً كبداية لخطوات تصعيدية أخرى بدا معها كل ما بناه ماكرون مع رئيسي قد شطب بجرّة قلم واحدة. ظاهرياً، الغضب السعودي كان على خلفية تصريحات جورج قرداحي. أما جوهرياً، فالغضب السعودي كان موجّهاً ضد عبث ماكرون بتوازنات لبنان وتجاوزه للخطوط الحمراء، ما دفع ماكرون لزيارة السعودية وصدورالبيان السعودي الفرنسي الشهيرالذي تضمّن بوضوح ثوابت السياسة السعودية في لبنان، وأهمها التمسّك باتفاق الطائف الذي أهمله ماكرون مع نظيره الإيراني، ثم التشديد على القرارات الدولية 1559 و1680 و1701. بعد ذلك جرت مياه كثيرة لعلّ أبرزها “إتفاق الترسيم”الذي لعبت فيه فرنسا وقطر دوراً مركزياً. وكما ضمنت قمّة بغداد الإقليمية بإيعاز ايراني عقود مليارية لشركة توتال الفرنسية، فقد ضمن إتفاق الترسيم عقوداً مماثلة لتوتال في “حقل قانا” اللبناني الذي ستكون أجزاء منه محل مشاركة إسرائيلية مع توتال، كما سيكون لقطر (التي باتت قبلة بعض ساسة لبنان الذين هرّبوا أموالهم اليها)، عائداً استثمارياً نتيجة امتلاكها لحصة شركة “نوفاتك الروسية”، فضلاً عن إعادة تفعيلها لبعض علاقاتها الوطيدة مع حزب الله ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل الذي تردّد بقوة أنه التقىسرّاً ومراراً مع الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين في الدوحة. ويرجح أنّ من ملاحق اتفاق الترسيم السرية سعي قطر لدى الإدارة الأميركية إلى شطب اسم جبران باسيل عن لوائح العقوبات الأميركية وإزالة عقبة أساسية أمام سعيه للوصول إلى كرسي الرئاسة، ما يفسح المجال أمام الدوحة لتلعب دوراً جديداً وبتفويض أميركي في لبنان، سيّما وأنّ لا خصومات لديها كتلك التي لدى السعودية خصوصاً مع حزب الله، فضلاً عن أن لبنان ومنذ عام 2008 يعيش تداعيات “إتفاق الدوحة”. ورغم أنّ السعودية لم تبد أي موقف نافر من اتفاق الترسيم، إلّا أنّها تعي أنه سيكون للإتفاق المذكور تداعيات هائلة ليس في المشهد اللبناني فحسب وإنّما على كامل المنطقة. ولهذا لم يكن “منتدى الطائف” الذي نظمه سفير السعودية في بيروت وليد بخاري مجرّد صرخة في واد، بل موقف اعتراضي وخط أحمر كبير بوجه كل من يحاول العبث بتوازنات لبنان والمنطقة وبالتحديد اتفاق الطائف. إنّها التوازنات التي كان حسن نصرالله أدقّ من جحّظها عقب إعلان نتائج الانتخابات النيابية بقوله “لا أحد يملك الأكثرية النيابية”. وكان سمير جعجع أكثر من فخّخها بادعائه حيازة “الأكثرية النيابية”. إنّها الأكثرية التي صدقها للوهلة الأولى السفير السعودي وليد بخاري، فأعلن بنشوة غير مستحقة إهداء الانتصار إلى المفتي الشهيد حسن خالد، لكن وزير خارجية السعودية فيصل بن فرحان سارع للتخفيف منها وعدم تبنيها. وأغلب الظن أن نصرالله في تسليمه بعدم امتلاك الأكثرية كان يرمي ليس لإهداء النصرلأحد أو التسليم بالهزيمة الانتخابية، فجلّ ما كان يتقصده الرجل ولم يزل هو مشاركة جميع القوى في تحمل مسؤولية الإنهيار. وما يتقصده نصرالله من مشاركة الجميع ليس تعفّفه عن الاستئثار بالسلطة والتحكم بمفاصلها كما دأبه أقله منذ اتفاق الدوحة عقب غزوة 7 أيار، وإنما توريط “كلن يعني كلن” بأسباب الإنهيار ونتائجه وتداعياته وبالتالي استدعاء الجميع للتوافق وتحمّل المسؤولية. من هذه الزاوية، بدا تصويب نصرالله واضحاً على 17 تشرين واتهامها بالعمالة، وهذا ديدنه ضد ثورة تشرين العراقية، وأيضاً ضد الانتفاضة الإيرانية والتي التهمت نيرانها مؤخراً منزل الخميني. ومن هذه الزاوية رسم نصرالله صورة النيغاتيف للمرشح الذي يوافق عليه لرئاسة الجمهورية، وتدرّج في طرح دفتر شروطه ومواصفاته للرئيس العتيد. وكونه أستاذاً في اللعب على المفردات والكلام، استبدل عبارة “الرئيس المقاوم” التي أسبغها على ميشال عون وقبله آميل لحود بعبارة الرئيس الذي “لا يطعن المقاومة في ظهرها” وفي صلية مكثّفة وموجهة لباسيل قال نصرالله “المقاومة لا تحتاج لحماية أو تغطية من أحد”، والنتيجة واحدة. النتيجة واحدة، لكن ما يفاجىء زعيم حزب الله الذي ينطبق رسمه التشبيهي للرئيس العتيد على الوزير سليمان فرنجية (ذو الحسب والنسب العروبي المقاوم ومن قبل ولادة حزب الله)، هو مشاغبة حليفه المزعج جبران باسيل المتجاوزة للحدود. فحرص حزب الله على تحالف الضرورة مع التيار الوطني الحر لا يعني مطلقاً السماح بتطاول باسيل عليه ليصبح ندّاً لنصرالله، أو زارعاً للفتنة مع توأمه الوجودي نبيه بري. ومن الأمور التي ربما لا يفقهها باسيل أنّ”عقيدة الصبر الاستراتيجي الإيرانية” أزالت كل مشاريع الأنداد لحسن نصرالله قبل رفيق الحريري وبعده، ويرجح أن تستدعي عقيدة الصبر الاستراتيجي هذه إدارة الظهر لتفكك تيار باسيل وطي صفحة حياته السياسية. والنتيجة التي نحن بصددها، ليس تعداد جلسات المجلس النيابي الفولكلورية لانتخاب رئيس للجمهورية، بل محاولة تظهير كامل النيغاتيف السري لإتفاقية الترسيم وخطوط النفوذ الإقليمية والدولية فيها، وأبرزها مدى ترجيح إتفاق الطائف على إتفاق الدوحة. ومن رحم هذا “النيغاتيف السري” سيتم استيلاد أدوات المرحلة المقبلة، اللهم اذا قلبت الإنتفاضة الإيرانية الأوضاع من مشهد إلى ما قبل كاريش.

مشاركة :