علي شندب يكتب: حزب الله والاتفاق السعودي الإيراني

  • 3/12/2023
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

سريعا تبخّرت مفاعيل “القنبلة الدخانية” التي أطلقتها “نيويورك تايمز”، وتضمّنت سعي ولي العهد السعودي لحيازة بلاده برنامجا نوويا مدنيا وضمانات أمنية من واشنطن، وإلغاء القيود على مبيعات الأسلحة الأمريكية. وأكدت الصحيفة الأمريكية أن طموح السعودية كثمن لتطبيع علاقاتها مع “إسرائيل” يسمح للرئيس الأمريكي بالبناء على “اتفاقات إبراهام” الترامبية وتطويرها بضمّ السعودية إليها لمواجهة إيران. لكن سرعان ما سُحبت قنبلة النيويورك تايمز من التداول الذي يبدو في أصله أقرب لأن يكون، محاولة لفكّ صواعق “القنبلة الحقيقية الثانية” التي كان مجلس الأمن القومي الأمريكي يتابعها ويرصد انبعاثات أدخنتها البيضاء المتصاعدة من بكين. ومع تراجع الحديث عن الزلازل الطبيعية، كشفت خواتيم أيام الصين الخماسية للحوار السعودي الإيراني، عن زلزال سياسي استراتيجي لفح العالم والمنطقة برمتها، وينبغي إعادة قراءة تموضعه في النسق الاستراتيجي الدولي الجديد، إنطلاقاً من تعدّدية الأقطاب المنطلقة مع شروع فلاديمير بوتين تنفيذ العملية العسكرية الخاصة التي تتواجه فيها روسيا مع ترسانة حلف الناتو في الجغرافيا الأوكرانية. إنّه الزلزال الذي وضعت فيه الصين كدولة عظمى تنافس الولايات المتحدة على زعامة الإقتصاد العالمي، بصمتها في المنطقة التي كانت لزمن قريب جداً حكراً على الإستراتيجيات الأمريكية. وهو الزلزال الذي يمكن القول أن “القمة العربية الصينية في الرياض” قد مهّدت له، سيّما وأنه سيحرّر السعودية من المنشار الإبتزازي الأمريكي المغلّف بحمايتها من ايران وقد بلغ أوجّه عندما سحبت واشنطن منظومات الباتريوت من المملكة قبيل قصف أرامكو وغيرها بالصواريخ المجنّحة والمُسيرات المفخّخة. كما إنّه الزلزال الذي وقع في لحظة يعيش فيها العالم والمنطقة أجواء توجيه “إسرائيل” ضربة ضد مفاعلات إيران النووية مهّد الجيش الأمريكي لها بإجراء مناورة مشتركة مع “إسرائيل” في النقب نفذ فيها محاكاة لضرب المفاعلات النووية. من المبكر الإحاطة بكامل مفاعيل وتداعيات زلزال الاتفاق السعودي الإيراني الذي ينصّ أول بنوده على “إعادة فتح السفارات والبعثات الدبلوماسية وتفعيل إتفاقية 2001 الأمنية وعدم التدخل في شؤون الدول الداخلية”.. المعنى المعكوس لتقرير نيويورك تايمز، كشف حجم التداعيات خصوصاً على جنرالات “إسرائيل” الذين كانوا يعدّون العدّة للهجوم على إيران مسلّحين بدعم السعودية وغيرها من دول الخيلج، لكن اتفاقية بكين التي توّجت الحوار السعودي الإيراني الذي انطلق في بغداد، حوّلت أحلام “اسرائيل” كوابيس، كما أطاحت بأهداف نتنياهو الذي أتى الى السلطة شاهراً هدفين هما: ضرب إيران والتطبيع مع السعودية، ما يجعل مصيره السياسي بائساً في ضوء فشله الذريع. لن يمرّ وقت طويل لتنجلي انعكاسات الزلزال السعودي الإيراني إذا ما نفّذ الاتفاق الذي تشكك واشنطن بالتزام إيران تطبيقه. لكن سيل بيانات الدعم والتأييد الذي لقيه الاتفاق، وخصوصاً ركنه السعودي، من غالبية الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي والمنظمات الإقليمية المختلفة، أرسى مناخاً تفاؤلياً واسعاً بدخول المنطقة حقبة جديدة. لكن هل عبارة “عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول” التي أبرزها الإعلام الموالي للسعودية أكثر من الإعلام الإيراني، تعني أن توغّل إيران وتغولها في البلاد العربية سيتوقف ويتراجع بما يتلاءم وينضبط تحت سقف السيادة الوطنية، خصوصاً في الدول التي لأذرع إيران الكلمة العليا فيها ومنها لبنان؟ المتتبع المحايد للوضع في لبنان، يرصد أنّ حزب الله وبلسان قادته وإعلامه، قد اعتمد ومنذ عدة أشهر أدبيات جديدة تجاه السعودية، التي يذكر اسمها الرسمي بدون “الاستعداء” المعروف. فمصطلحا “النظام السعودي” أو “آل سعود” غابا من التداول لصالح المملكة العربية السعودية، فضلاً عن ذكر قادتها بألقابهم الرسمية دونما همز أو غمز. المتتبع المحايد يرصد مثل هذه التحوّلات في حزب الله شديد الانضباط بأدبياته المعتمدة، رغم أنه لم يرصد تعميماً بالخصوص. لكن الذي تمّ الانتباه له، هو التواصل بين المملكة العربية السعودية وحزب الله، والذي تردّد بقوة أن مصطفى الكاظمي وصديقه اللواء عباس ابراهيم نقلوا رسائله غير المشفّرة بين ولي العهد السعودي وقيادة حزب الله. وهو الترداد الذي واكبه همس لم يرصد في وسائل الإعلام مفاده “أن طلب زعيم حزب الله 200 مليار دولار من السعودية والخليج لاستنقاذ لبنان من محنته الخطيرة، جاء في سياق تفاوض مباشر وعميق مع القيادة السعودية التي يتردّد أنها استقبلت وفداً حزبلاهياً خماسياً”. بهذا المعنى ينبغي فهم أن الاتفاق السعودي الإيراني، أشعل الواقع اللبناني تحليلاً ولو صامتاً في بعض المواقع الكبرى، خصوصاً لجهة انعكاساته على الانتخابات الرئاسية التي يحاول ويجهد فيها خصوم حزب الله إلباس السعودية موقفاً رافضاً لترشيح الوزير سليمان فرنجية، وقد استدلّوا على ذلك بكاريكاتير ومقالات على صفحات “عكاظ”. وبهذا المعنى أيضاً ينبغي التوقف عند التعليق البليغ لوزير خارجية السعودية فيصل بن فرحان على الوضع اللبناني ربطاً بالإتفاق السعودي الإيراني وقوله إن “لبنان يحتاج إلى تقارب لبناني، وليس لتقارب إيراني سعودي.. وعلى السياسيين فيه أن يقدموا المصلحة اللبنانية على أي مصلحة أخرى”. وبهذا المعنى أيضاً وأيضاً، ينبغي تسجيل أن حسن نصرالله الذي يصوغ خطواته ومواقفه وفق عقيدة الصبر الاستراتيجي الإيرانية، والذي تتباعد إطلالاته أسابيع وأشهر أحياناً، قد خاطب جمهوره على مدى يومين متتاليين بمناسبة تربوية وأخرى تأبينية، وكان بإمكانه دمجمهما بخطاب واحد. لكن خروجه المتكرّر على مدى يومين أفصح بأنه كان قد أعدّ تعليقه المتقن على الاتفاق الإيراني السعودي ليقوله مباشرة على الهواء لحظة توقيع الاتفاق، كاستدعاء لخطاب “تفجير البارجة الإسرائيلية ساعر.. انظروا إليها تحترق”، وليجدّد دعمه ترشيح فرنجية، تزامناً مع ترويج “قناة الشرق السعودية” لحلقة خاصة عن “مرشح حزب الله سليمان فرنجية” المرشح الأكثر جدلية بين الطامحين لرئاسة لبنان التي يرجح أن يفك شيفرتها الاتفاق السعودي الإيراني. أهلاً بالتنين الصيني.

مشاركة :