كرسالة بريد ضائعة، عادت يومًا لزيارتي لظروف إنسانية، جاءتني رسالة على "الواتس أب" من أحد الإخوة المقيمين الذي هاجر إلى أمريكا يقول فيها: "ندرتينا من كفالة منشأتك التجارية من أجل السعودة".. وجرى الحديث عن مرضه، وكيف يدفع بنا ذلك المجهول أحيانًا، وعن أسرته التي تتسلق الزمان وتتقاسم يومها وأمسها، قال: «كان عندي خياران عندما قررتم إنهاء خدماتي، إما أن أعود لبلاد نارها موقدة لا أمان لحياتي وأسرتي فيها، بلد منكوب بفقرهِ وجهله وأمنهِ، وأتفرَّج على أيامي المتبقية تنسلخ من حياتي؛ كدمعة قبطان يشاهد أفول سفينته الغارقة ولا يفعل شيئًا، وإما أن أصطاد أيَّام حياتي المتبقية بصنارة الغربة، وقد فضّلت الخيار الثاني بكل مضاره وأضراره؛ فطائر النورس لا يُوزِّع عنبًا على الغرقى، حملتُ سلة الإرادة وقنينة الحياة وغادرتُ بلادكم -التي هي بلادي الحقيقية التي أعرفها- أضرب لنفسي موعدًا كل يوم لألتقي مع ذاتي. صعقتني الرسالة، وصرتُ أُحدِّق في اللاشيء، ولم أتمالك نفسي، فسألتُ نفسي كم صاحب منشأة طلب من إخواننا المقيمين المغادرة من أجل السعودة؟!.. ما يُؤرقني وأمثالي في هذا الوطن الغالي وخز الرسالة، فالآلام الحقيقية التي تجتاحني أحيانًا أننا كيف وقّعنا أوراق مغادرتهم، بعد أن تقاسمنا معهم النجاح والإخفاق، الفرح والحزن. قد يقول قائل: إن أنظمة الإقامة أمن وأمان للبلاد، والحقيقة نعم للأنظمة والانضباط للمقيم في بلادي، لكن في تصوري أن يكون هناك بعض الاستثناءات لمقيمين عاشوا معنا أكثر من نصف قرن يسكنهم اللطف والانطلاق والبساطة والانعتاق، عاشوا بيننا يتحدّثون لهجتنا، أبناؤهم يدرسون في منشآتنا التربوية، ويكتبون في مؤسساتنا الإعلامية، ويُعلِّمون أبناءنا، ويطبّبوا مرضانا. وفي الختام أقول: ليس البحث في أرشيف الماضي يُشكِّل عيبًا أو مشكلة، وإنما المشكلة هو التوقف عن استحداث أنظمة جديدة، فالمطلوب منّا أنْ نُحدِّث أنظمة الإقامة وإدخال بعض الاستثناءات للنفع العام المتبادل بين الطرفين (المؤسسة والمكفول)، بحيث يقبل الحذف والإضافة، والتعديل والتبديل. A.natto@myi2i.com للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (77) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain
مشاركة :