لدى السعوديين صفة محمودة يتميزون بها، ومن النادر الإشادة بها، بل غالباً تذكر في سياق انهم طيبون، يسهل استغفالهم! هذه الصفة انهم في الغالب يحرصون على مساعدة الفقراء في الداخل والخارج، ويتعاطفون كثيراً مع المشاهد المأساوية لحالات الفقر في الدول المجاورة وبخاصة حين تجتمع قساوة الطقس وقساوة الفقر في تلك الدول مع غياب الأمن، كما هو الحال على سبيل المثال في سورية واليمن. وأنا مع البدء في توجيه الصدقة والزكاة إلى الأقربين من المواطنين، ثم الذين يعيشون في المملكة، وبعد ذلك لمواطني دول الجوار، هذا إذا كانت الظروف متشابهة أو متقاربة، ولكن حين يصل الفقر والجوع والعوز في دولة ما إلى حد الموت جوعاً أو برداً فإن الأولوية يجب أن تكون لدى صاحب كل ضمير حي هي للمساهمة – بما يستطيع - في وقف المأساة في تلك الدولة، وهنا أتكلم عن وجهة نظري، لا عن حكم شرعي ليس هذا سياق الحديث عنه. المشكلة أن أصحاب الضمائر الحية المستعدون لتوجيه الصدقات لتلك الدول أصبحوا بين إشكاليتين أخطرهما احتمالية أن تتسرب تلك المساعدات بشكل أو بآخر لجماعات إرهابية بلا إنسانية تقتل المسلمين باسم الإسلام لتصيب في مقتل العمل الخيري وسمعة المسلمين في العالم في ظل جنون مذهبي، أولويته في الحياة قتال العدو الأقرب - المسلم المختلف -، ولعله لا يتأخر الزمن الذي يسيطر فيه فكر رشيد مستنير في كل الطوائف يقول كفى لهذا العبث الطائفي. وثاني الإشكاليتين أن هناك من يدعي جمع التبرعات للفقراء في تلك الدول، ويبدو أمام الناس بصورة المتدين الزاهد، بينما هو يجمعها لنفسه، أو لا يقوم إلا بإيصال الجزء اليسير منها، وقد أحبطت شرطة منطقة الرياض أول أمس حملة وهمية لجمع التبرعات للشعب السوري والقبض على عصابة يستقلون ثلاث شاحنات لاستقبال جمع التبرعات، اتضح أنهم يقومون ببيعها، ومن المؤكد أن خلف هذه العصابة أشخاصاً خدعوا المجتمع بمظاهر تدين وهمية. إزاء تلك الحاجة الملحة لإخواننا في اليمن وسورية وغيرها من الدول للمساعدات كفانا الله شر ما يعانونه، وإزاء استعداد الكثيرين للتبرع بعيداً عن خطر تهمة دعم الإرهاب ومشكلة تقديم دعم لا يصل للمستحقين، فإن على المؤسسات الإغاثية والجمعيات الخيرية المعترف بها القيام بدور أكبر لدعم تلك الشعوب المنكوبة عبر حملات منظمة مستمرة، هاجسها الحس الإنساني، لا الطابع الدعائي، مع شفافية في توضيح الأنظمة الرقابية التي تحكم أعمالها، وذلك لكسب ثقة الناس فيها وفي مصداقيتها، حتى لا يتجه المواطنون إلى أشخاص أو مؤسسات غير معترف بها، ويعرضون أنفسهم للخطر وتبرعاتهم للضياع.
مشاركة :