جلسا في زاوية المكان حيث الهواء العليل والنسيم الصباحي العيناوي يداعب الشجر والزهر، ويُعطر الأجواء بفيض عطائه الأخّاذ من برودة شفيفة رقيقة تلفح الوجوه فكأنها تهديها قبلة صباحية دافئة على الخدود التي أورقت بفعل هبّة البرد العليلة. هناك عند الزاوية بدت السيدة التي خضبت كفيها بالحناء سعيدة بزوجها المرافق لها على طاولة تزينها فناجين قهوة ربما هي ختام مسك صباحهما أعني القهوة، يبدوان على وفاق، لم يتحدثا كثيراً، كما لم ينشغلا بهواتفهما النقالة، بما تأتي به وتحفل من برامج أخذت المرء من نفسه، إنهما زوجان متوافقان يظهر ذلك من تبادلهما الابتسامات، ورشفات القهوة المشتركة. هنا زوجان من الزمن الجميل زمن الوقار والحشمة والخجل، يتحدثان ويصمتان يتبادلان الابتسامات الهادئة، مرّا بجانبي ألقيا تحية السلام عليكم، فرددت بمثلها، لا أدري لمَ شعرتُ بأنني أود الكتابة عنهما، ربما لأني لم أصادف مثل هذا الموقف منذ فترة ليست بالقصيرة، وربما ما يجلل جلستهما من فخامة السلوك والتصرف، والحب. قبل أن يهمّا بمغادرة المكان رفعت السيدة هاتفها تريد أن تلتقط صورة لرفيقها -زوجها- الذي أخذ في الاعتدال في جلسته، بينما كانت هي تلتفت يمنة ويُسرة تنظر إن كان أحد من الجلوس يراقبها أو ينظر إليها وهي تلتقط الصورة خجلة ووجلة ربما، لا أحد سوايَ كان مأخوذاً بالمشهد الواقعي الجميل.. بعد أن اطمأنت واعتدل الرجل في جلسته التقطت الصورة برعشةٍ بدت على يديها وهي تمسك بهاتفها الذكي. غادر الزوجان الأنيقان ودعواتي بأن يحفظها الله، فقد صنعا ليومي فرحاً ومقالاً، فأنا حقيقة أعجبتُ بهذا النموذج الأسري الراقي، وقد كسرا بسلوكهما ما اعتدنا أن نشاهده من مهازل زوجات وأزواج كثيرين نراهم في الأماكن العامة، وكأن لاشيء يجمعهما سوى تلك الطاولة الباردة، حيث كل واحدٍ منهما مشغول بهاتفه، الرجل يُدير وجهه للزوجة، وهي تنظر إليه بحسرة الذي خرج ولم يستمتع، مجرّد شكليات ممجوجة نراها ونتساءل: كيف وصل الحال ببعض البشر إلى الحد الذي يغّربهم عن بعضهم.. وبإرادتهم. نحن نحتاج إلى النموذج العائلي المُتزن ذاك الذي يجعل الرجل حينما يخرج مع زوجته أو أبنائه مشغولاً بهم وحدهم لا بسواهم، ويجعل المرأة كذلك مأخوذة كلها بأسرتها زوجاً وأبناء، تلك النماذج هي التي تصنع الأسر النموذجية كذلك، ذلك أن ما يجمع الأسرة ليس فنجان قهوة، أو الخروج في نزهة منقوصة، أو التجمع في سيارة واحدة، ما يجمع الأسرة هو الحب، ومتى كان الحب هو المحرّك كانت الأسرة بخير.
مشاركة :