كلّ شيءٍ من حولنا، وأمام أنظارنا بات مكشوفاً ومتاحاً للجميع، تلك الأسرار التي كانت الجدات يعلّقنها في أسماع البنات مضى زمنها، وتلك التوصيات التي يدوّنها الآباء والأجداد على خريطة الشباب الذهنية لم تعد موجودة، هو فعلٌ في الأصل أصبح منبوذاً ومرفوضاً ولا يتّبعه أو يقوم به أحد، لأنه كما يقولون اليوم صار موضة قديمة، أو بلغتهم OLD FASHION. في السابق كان من أسس التربية في الأسرة أن تعلّم الأم ابنتها أن «النفس ترغب في لمغطّاي، وتعاف شيٍ دوم مكشوف» والأب يدرّب أبناءه على الشجاعة، واحترام الآخر، والحرص على الجار وبالذات على عرضه، وعدم التجاوز في التعامل مع أهله أو فريجه، وأن جارك هو أنت، وكثيراً ما علّمونا أن «الرسول عليه الصلاة والسلام وصّانا على سابع جار»، ومن الأولى أن نكون حريصين عليه حرصنا على بيوتنا وقيمنا وأسرارنا، نحفظ غيبته كما هو يحفظ غيبتنا، كل ذلك في إطار تربوي قيمي عظيم. اليوم تحدث أشياء كثيرة لأول وهلة أصابتنا بالصدمة، كانت الأسئلة لا تبرح عقولنا، كيف يحدث ذلك، أين الحياء، والخجل والستر وحفظ النفس وعدم الظهور بمظاهر غير لائقة أمام الآخرين، أمهاتنا كنّ يعلّقن ملابسهن بعد الغسيل ويقمن بستر وتغطية الخاص منها كي لا يراه رجال البيت أو الغرباء، اليوم كل الغسيل منشورٌ على حبال كثيرة لم تعد تستوعبها المساحات. البيوت مكشوفة، الأسرار، الأخلاق، السلوك، المطابخ، الأسرّة، العطور، الطعام، البيوت من أول باب للدخول إلى الخروج، الحياء في إجازة طويلة بعد أن طغت المادة على كل شيء، وصار الكثيرون في حالة لهاث وسُعارٍ، الكل يركض باتجاه جمع المال وإن تخلّى عن ذاته وحيائه، وتنشئته التي أصبحت شيئاً من الماضي. وسائل التواصل الاجتماعي كسرت المحظور، وألقت بالتابو في غيابة بئرٍ لن يخرج منها، فالسلاح اليوم أصبح تقنياً، هو ليس سلاح حرب بيولوجية أو عسكرية وإن كانت حديث اللحظة، لكنها حرب أخلاقية إن لم يتم الانتباه لها ستكون آثارها خطيرة على الأسر والأبناء والمجتمعات، فقد أصبحت تلك الوسائل منازل للكثيرين يقيمون فيها كلّ الوقت، حتى بعض أصحاب الشهادات العليا أصبحوا معلنين وفاشنستات ولم يوفّروا شيئاً للوصول إلى الشهرة لم يفعلوه، ومثلهم تماماً بعض ربّات البيوت، والآباء الذين يقضون أوقاتهم مع الفتيات في مسابقات ليلية وحوارات سمجة لا تليق بهم. ما على المكشوف سيبقى هكذا عرضةً لكل الاحتمالات، إن لم يصحُ الكثيرون ممن «سرقتهم السّكينة»، كما يقول إخوتنا أبناء النيل، ودمتم.
مشاركة :