مثيرو الفتن والشائعات كُثُر هذه الأيَّام، يمرحون بقنوات التلفزة وشبكات التواصل، يبثُّون سموم الفرقة بين أطياف المجتمع بتلفيق أخبار لا أساس لها من الصحَّة، ويُحاولون رسم مستقبل غامض لمجتمعنا؛ في ضوء انخفاض أسعار البترول، وفرض رسوم القيمة المُضافة، وزيادة أسعار الوقود، والماء، والكهرباء. متناسين أنَّها ليست المرَّة الأُولى التي نتعرَّض فيها لمثل هذا الانخفاض في أسعار النفط. وليست المرَّة الأولى التي تمكَّنا فيها من الوقوف على أقدامنا بثبات واتِّزان، وأنَّنا -بحمد الله- مازلنا ننعم بقدرٍ كبيرٍ من الرفاه الذي تهفو له قلوب العديد من شعوب العالم. أمَّا ما قد نتعرَّض له من ترشيد لإنفاقنا اليومي، فما هو إلاَّ نوع من الحمية الصحية، بعد أن ترهَّل جيلنا، وتعرَّض العديد من أفراده لأمراض قاتلة؛ كأمراض السَّكر، والقلب، والجهازين الهضمي والتنفُّسي، والإدمان، بما فيه مشاهدة القنوات الفضائيَّة التي تجاوزت العربيَّة منها الألف، والتي يفتقر معظمها إلى البرامج الهادفة لتوعية المشاهدين. أضفِ إلى هذا الإدمان على متابعة قنوات الاتِّصال الاجتماعي، وإعادة إرسالها مملَّحة مبهَّرة، يتحكَّم في معظمها دعاة التفرقة والتشويش. وقد زاد عدد المتابعين وعدد المعلِّقين والمحلِّلين بما فاق التصوّر. وغالبيَّة هؤلاء المنتحلين يسوِّقون أفكار دعاة الفوضى الخلَّاقة، الذين دفعوا عالمنا العربي إلى ما هو عليه اليوم من فوضى مدمِّرة. وقد شطَّ الخيال ببعضهم لتصوير واقع العلاقات السعوديَّة بإيران؛ كونه صراعًا بين سُنَّةٍ وشيعةٍ، وأنَّ الكفَّة تميل لصالح إيران بعد إنجاز الولايات المتحدة والغرب للاتفاق النووي الإيراني، متجاهلين توافق الرؤى بين المملكة والولايات المتحدة الأمريكية منذ زمنٍ بعيدٍ. لا ريب أنَّ العلاقات بين الدول تحكمها المصالح. والمصالح تتبدَّل باستمرار؛ لذا قيل في السياسة» لا صداقة دائمة، ولا عداوة دائمة، وإنَّما مصالح تتحكَّم في سياقها الرؤية المستقبليَّة لما قد تؤول إليه الأحوال في الغد القريب، والمستقبل البعيد. ومن السذاجة ربط المذهبيَّة بمسارات السياسة. والسياسة كما تُعرِّفها الديمقراطيَّة الغربيَّة لا دين لها، بل مصالح. وحالما يحصل كلُّ فريق على ما يطمح إليه من كسب، يتحوَّل إلى حيث تكون مصالحه. ومن المعلوم أنَّ القيادات المتحكِّمة بشؤون العالم، وكذلك عقلاءنا يُدركون أن لا خلاف بين أهل السنَّة وأهل الشيعة؛ فالمسلمون أُمَّة واحدة منذ بزوغ نور الإسلام في مكَّة المكرَّمة، وخلافنا مع إيران ليس مذهبيًّا كما يُصوِّرونه. ومن نِعَم المولى علينا أنّنا في بلد أكرمه الله بالإسلام، ونبت غرسه متعدِّد الأشكال والألوان والأفكار. ولو شاء ربُّك لجعل الناس أُمَّة واحدة. وهكذا تشكَّل نسيجنا الوطني المتواصل من مياه الخليج العربي، إلى مياه البحر الأحمر، ومن بلاد الشام، إلى أراضي اليمن، متناسقًا وجذّابًا، كلُّ عُقدة فيه تمسك بشدَّة العُقدة المجاورة لها، ليبقى النسيج قويًّا متماسكًا، مُتعِّدد الألوان بتعدُّد أطياف المجتمع.
مشاركة :