من الصعوبة بمكان أن نقدم تعريفاً شاملاً للسلطة في جملة أو جملتين أو أكثر. كلمة السلطة كما ترد في هذه الرسالة تشير فقط إلى السلطة التي تتمتع بها الحكومات والدول والأشخاص القابعون على هرم السلطة فيها من رؤساء وملوك وغيرهم. وفي تناولي لهذا المفهوم، فإنني أستند إلى كتاب حديث صدر في الغرب تحت عنوان: نهاية السلطة. ويبدو أن الكتاب له تأثير بالغ في الدول التي تتحكم في السلطة ورؤسائها، إن أخذنا العروض الكثيرة له في أمهات الصحافة والقنوات الإعلامية في العالم. في الحقيقة لم يخطر ببالي أنني سأقدم الكتاب لقرائي الكرام إلا بعد قراءتي لأخبار ذكرت أن الكتاب صار محط اهتمام الرؤساء والمتنفذين في الغرب. ويبدو أن أول من قرأه وشجع الزعماء الغربيين على قراءته كان الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون المشهور عنه حبه الكبير للقراءة والمطالعة. ورأيت أنه من الحكمة أن أقدم ملخصا لقرائي الكرام بالعربية لأهمية ما ورد في هذا الكتاب، وسبب تهافت رؤساء الدول والمتنفذين في الغرب على قراءته: الكتاب يؤكد من خلال أمثلة حية أن هناك تغيرا كبيرا في بوصلة السلطة. بوصلة السلطة تتجه صوب الناس العاديين والمجموعات الصغيرة التي كانت في السابق لا يعيرها أصحاب السلطة من الحكومات ورؤسائها أي أهمية تذكر. مفهوم وممارسة السلطة في طريقه إلى تغير كبير من حيث الحصول على السلطة والحفاظ عليها وخسارتها، وبتنا ربما لا نعرف المعنى الحقيقي للسلطة في عالم اليوم. السلطة ليست التأثير والمكانة التي نمتلكها، بل القدرة على التدخل في منع وقوع حدث ما أو وقفه وإعادة مساره أو فرض واقع مختلف على الدول المجموعات والأفراد. التأثير الذي نمتلكه مهم، وقد يؤدي إلى تغير مفهومنا عن الوضع الراهن، لكنه لا يغيره ويبدله حسبما نريد. تغير الوضع أو إعادة مسار حدث ما لصالحنا يحتاج إلى ممارسة السلطة، ولكن يبدو أن الرؤساء والحكومات لم يعودوا الوحيدين في الساحة، الذين بإمكانهم ممارسة السلطة لتغير مسار الأحداث. اليوم بإمكان مجموعات صغيرة ضعيفة جدا بمقاس ما يملكه صاحب السلطة أو ما هو في متناوله من قوة عسكرية أو اقتصادية تغيير مسار الأحداث. اليوم تتحكم في كثير من الأحداث مجموعات صغيرة ولا تخشَ، لا بل تقاوم وتصارع أعتى سلطة أو قوة عظمى. السلطة التي قد تمتلكها المجموعات الصغيرة ليست في تناقض، بل في صراع مع السلطة التي يمتلكها أصحاب السلطة الحقيقية. والقوى العظمى من إمبراطوريات وغيرها غالبيتها سقطت على أيدي مجموعات صغيرة كانت تستهين بفعاليتها بعد دخولها في صراع مرير معها. والسلطة بالإمكان إعادة ترتيبها وتوزيعها لا سيما عند ظهور حالات خلق وإبداع تمنح المجتمعات امتيازات هائلة تجعلها في مقدمة غيرها. مثلا ظهور قائد محنك موهوب يأخذ بيد مجتمعه وشعبه صوب مسارات لما كان بإمكانه الولوج فيها دون وجوده، أو أشخاص مبدعين يدخلون مجتماعتهم في مضامير اقتصادية عسكرية أو اجتماعية تأخذها إلى مصاف لم يصلها الآخرون بعد. والسلطة ليس معناها دائماً التدخل لتغيير مسار الأحداث. السلطة يجب أن ترافقها الحكمة، وأفضل استخدام للسلطة لا سيما في السياسة يأتي من خلال تطبيق مبدأ التسوية والحلول الوسطية والابتعاد عما هو مطلق أو إما أن تكون الأمور هكذا أو لا. وفي عصرنا هذا بدأ العوام التأثير على السلطة وأصحابها من خلال التأثير والإقناع أو أخذ زمام بعض الأمور لتغيير مسار الأحداث. وبوصلة السلطة بدأت في بعض مفاصلها التوجه صوب عامة الناس من خلال التأثير الذي يحدثونه في مسار الأحداث من خلال قنوات التواصل الاجتماعي مثلاً. كنت أتمنى أن يقرأ هذا الكتاب زعماء ورؤساء الحكومات والملوك وأصحاب الشأن في العالم العربي، لأنه يؤشر إلى مسارات السلطة ليس في الحاضر بل في المستقبل أيضاً.
مشاركة :