يشير المعلقون إلى أشباه الموصلات على أنها "نفط" القرن الـ21. في تشرين الأول (أكتوبر)، قررت إدارة بايدن تقييد قدرة الصين على الوصول إلى تكنولوجيات تصنيع الرقائق، وهو الإجراء الذي سيؤثر بدرجة كبيرة في الاقتصاد الصيني ويضع كلتا القوتين على مسار تصادمي. أثارت هذه التدابير مخاوف قديمة. فبعد أن وصلت الصين متأخرة إلى الثورة الصناعية، خسرت حروب الأفيون في القرن الـ19 لمصلحة بريطانيا العظمى، وعانت مما يعرف الآن بقرن الذل. لكن الصينيين تعلموا الدرس ويطمحون الآن إلى أن يكونوا في الصدارة التكنولوجية. ونظرا إلى أهمية التطور التكنولوجي باعتباره ركيزة أساسية للقوة العسكرية لأي دولة، فليس من المستغرب أن تعد الصين تصنيع الرقائق الإلكترونية حتمية لتعزيز أمنها القومي. من منظور الصين، يعادل الهبوط إلى مكانة القوة التكنولوجية من الدرجة الثانية الخضوع للقهر من قبل دول تتمتع بقدرات عسكرية متفوقة. ورغم أن حرب الرقائق الإلكترونية بين الولايات المتحدة والصين يمكن عدها مجرد جزء من المنافسة الاستراتيجية الطبيعية بين القوى العظمى، فإن وجهة النظر الصينية أقرب إلى وجهة نظر مارتن وولف من صحيفة "فاينانشيال تايمز"، الذي وصف القيود الأمريكية على أشباه الموصلات أخيرا بأنها "عمل من أعمال الحرب الاقتصادية". لولا انفتاح الصين على الأسواق العالمية، وهو التحول الذي لعبت فيه الولايات المتحدة دورا بارزا، لما كان النمو السريع الذي شهده الاقتصاد الصيني طوال الأعوام الـ40 الأخيرة ليصبح في حكم الممكن. حتى التحاق الصين بعضوية منظمة التجارة العالمية في 2001 ساعد على شفاء بعض الجراح التي أحدثها قرن الذل. الواقع أن أي محاولة إضافية بقيادة الولايات المتحدة إلى احتواء صعود الصين اقتصاديا تهدد بإذكاء مستويات أعلى من مشاعر السخط القومية. في عالم تتحدد هيئته على نحو متزايد بفعل الخصومة الجيوسياسية بين الولايات المتحدة والصين، يطالب الاتحاد الأوروبي بقدر أعظم من الاستقلالية الاستراتيجية، وهذا من شأنه أن يخلف تداعيات جيوسياسية كبرى. ستكون إحدى مهام الاتحاد الأوروبي الرئيسة خلال الأعوام القليلة المقبلة تحديد موقفه من الصين بشكل أكثر وضوحا، دون أن يلحق الضرر بالدور الذي يضطلع به كوسيط بين الصين والولايات المتحدة. الحق أن معالجة المشكلات الأكثر إلحاحا التي تواجه البشرية، خاصة الأزمات العالمية، مثل: تغير المناخ، التعافي الاقتصادي، فيروس مرض كورونا 2019، وانتشار أسلحة الدمار الشامل، تتطلب التعاون على أساس متعدد الأطراف. لكن المجتمع الدولي لا يستطيع حل أي من هذه المشكلات في غياب قدر ضئيل من الثقة بين القوتين العظميين في العالم. أشار اجتماع بايدن وشي في إندونيسيا، إلى أن بعض الأمل لا يزال باقيا. وعندما يتعلق الأمر بالتوصل إلى كيفية التصدي لتحديات القرن الـ21، فقد أشارت بالي إلى الطريق. خاص بـ «الاقتصادية» بروجيكت سنديكيت، 2023.
مشاركة :