الاستثمار الحقيقي هو في الإنسان، وأهم مراحل البناء هي مرحلة الطفولة منذ الحمل والولادة وحتى دخول المدرسة. وحين نستثمر في الطفل فإننا نستثمر بأهم مقومات المستقبل ومتطلباته.. تتسابق الدول المتقدمة للعناية بأطفالها، والاهتمام بصحتهم البدنية والنفسية، وبحسن تربيتهم، ذلك أنهم الثروة الحقيقية لكل وطن يطمح لتبوؤ منصب متقدم ينعم بالرخاء والقوة وجودة الحياة. وتهتم منظمة اليونسيف بالأطفال وتربيتهم، وتركز على الصحة، وجودة التعليم، وسلامة الطفل وإحساسه بالأمن. وتحرص برلمانات الدول المتقدمة على سنّ القوانين التي تمكن الوالدين من القيام بمهمة الرعاية والتربية بعد الولادة، وحتى دخول الطفل للمدرسة. وفي تقرير لمنظمة اليونسيف يتبين أن اليابان تحتل المركز الأول في سلامة الأطفال وخلوهم من السمنة، وتضمن أحدث تقرير لها لعام 2022 وضع اليابان في المرتبة الثانية من حيث عالم الطفل الذي يشبّ فيه، كذهابه للمدرسة وحده، دون الخوف عليه من حوادث الطرق أو غيرها، حتى في وسط العاصمة طوكيو، إضافة إلى توفر الجو النظيف، والأرض الخضراء والسماء الصافية والمياه النظيفة، وسلامة الأسرة، وشبه انعدام الجريمة. البلد الثاني الذي ورد في التقرير هو دولة صغيرة ليست من الدول المتقدمة وهي أستونيا، يعيش أطفالها في جو صحي خالٍ من تلوث الهواء أو الضوضاء، ويعيش الأطفال في مناطق خضراء أكثر من أي مكان آخر في العالم، وتتوفر ملاعب أطفال تجاور منازلهم. ويمتدح التقرير تعليمهم وخصوصاً في الرياضيات والعلوم، وتعلم قيم المشاركة والتعاون. وأشار التقرير إلى ثلاث دول أخرى هي إسبانيا وفنلندا وهولندا، ليؤكد التقرير تميز تلك الدول في العناية بالطفل وحسن تربيته وتعليمه متخذين خطوات مهمة منها: أولاً- توفر الأنظمة والقوانين التي تكفل حقّ الطفل والأم، والتشجيع على الإنجاب، وضمان وجود إجازة الأمومة مدفوعة الراتب بعد الإنجاب، مع إجازات طويلة بعضها بدون مرتب، بعضها يمتد سنوات وحتى دخول الطفل إلى المدرسة. كل ذلك لضمان تربية متوازنة، وتمتع كل من الأم وطفلها بالصحة والرعاية. ثانياً- يركز التقرير على أهمية الإكثار من المناطق الخضراء وألعاب الأطفال قريباً من بيوتهم، ويشير إلى تأثير ذلك على صحة الطفل البدنية والنفسية. وهذا يؤكد ما أعلن عنه ولي العهد الأمير محمد من جعل الرياض خضراء إضافة إلى زراعة عشرة مليارات شجرة في المملكة وحدها. الشجرة ليست للزينة فقط لكنها للصحة ومكافحة التلوث والتصحر، ودليل بعد نظر القادة وحرصهم على مستقبل البلد، والبيئة الصحية ليست خاصة بالأطفال والأسر فقط، لكنها من عوامل جذب الاستثمارات الخارجية، كما هو في سنغافورة وغيرها. ثالثاً- تشترك الدول الخمس سالفة الذكر باهتمامها بالتعليم الأساسي الذي يضع اللبنات الأولى للمواطن الصالح، ويركزون في تعليمهم على الرياضيات والعلوم واكتساب المهارات، ومن أهمها التعاون وروح الفريق والثقة بالنفس، والقدرة على التواصل بأنواعه، وهذا يحتم الاهتمام البالغ بالتعليم وتهيئة الأجواء المناسبة في المدارس من حيث أعداد الطلبة في كل فصل، والتشجير الذي يضفي المزيد من الصحة للطالب والمعلم، وإيجاد المرافق التي تساعد على إقامة الأنشطة كالمسرح وصالات الفنون وغيرها. رابعاً- سلامة الطفل وشعوره بالأمان وقدرته على السير والتنقل بين البيت والمدرسة مشياً على الأقدام أو من خلال الدراجة الهوائية من أهم دلائل ضبط حركة المرور، ووعي السائقين لأهمية سلامة المشاة وحقهم بالتنقل، ليس للأطفال فقط، ولكن لكل السائرين على أقدامهم، وهذا ما نحن بأشد الحاجة إليه من حيث تخطيط المدن والطرقات والأرصفة، ووعي رجال المرور والأفراد بأهمية ذلك. الاستثمار الحقيقي هو في الإنسان، وأهم مراحل البناء هي مرحلة الطفولة منذ الحمل والولادة وحتى دخول المدرسة. وحين نستثمر في الطفل فإننا نستثمر بأهم مقومات المستقبل ومتطلباته. ولا يمكن إلقاء العبء على وزارة واحدة، لكنه مهمة كل برامج الرؤية والوزارات، كوزارة التعليم، والصحة، والبلديات، والبيئة، والداخلية، والتنمية الاجتماعية، ومنها الضمان الاجتماعي وبرامجه المختلفة. وهو مهمة وزارة العدل ومجلس الشورى في صياغة الأنظمة ومراجعتها بصفة مستمرة حتى تتوافق ومتطلبات الأمومة والطفولة وما بعدها. العناية بالطفولة مشروع وطني مهم يستحق كل ما يبذل في سبيله من جهد ومال ووقت.
مشاركة :