اتسمت السياسة الخارجية الأميركية في منطقة الشرق الأوسط خلال ما يقرب من العشرين سنة الأخيرة بأنها كارثية ومدمرة .. العالم العربي الضحية الرئيسية لها.. إلا أنه بينما كانت هذه السياسة تنطلق في السابق من قرارات يتخذها سياسيون متمرسون في البيت الأبيض ، فإن السبع سنوات الأخيرة شهدت مستشارين هواة يتولون توجيه دفة السياسة من البيت الأبيض وعلى رأسهم رئيس حُسن النوايا ولكنه قليل الخبرة والوعي السياسي بالشأن الدولي . أدار الرئيس الأميركي باراك أوباما سياسته تجاه الشرق الأوسط مرتكباً الخطأ تلو الآخر بينما يدفع أبناء المنطقة ثمن هذه الأخطاء من دمائهم واستقرارهم .. أخطأ في العراق فنبتت داعش ، نبتة شيطانية يعاني منها العرب أكثر من غيرهم .. وانطلق في عهده ما سمي بالربيع العربي ، فأخطأ بتبني جماعة الإخوان المسلمين وجماعات ليبرالية على نقيض الإخوان كأدوات للتغيير فأكل الإخوان الليبراليين وأدخلوا مصر وليبيا وغيرهما في أتون حروب دموية إرهابية نعاني منها حتى اليوم .. وتقدَّم في سوريا ثم تراجع وانكمش ليأتي الروس يقتلون مع النظام السوري مئات الآلاف من السوريين ويهجرون الملايين منهم ، في الوقت الذي واصلت فيه إدارة أوباما دفن رأسها في الرمال أمام هذه المأساة التي لم يشهد لها العالم مثيلاً في العصر الحاضر .. وكانت مغامرته الأخيرة باتفاقه مع إيران ، إذ عوضاً عن أن يستغل هذا الاتفاق للحد من العمليات الإرهابية والتخريبية التي يقوم بها النظام الإيراني ، اكتفى بالجانب النووي من النشاط الإيراني والحد منه لمدة عشر سنوات فقط .. وقيل في الصحف الأميركية أن إدارة أوباما تطمع في إحداث تغيير في النظام الإيراني من الداخل معتمدة على من وصفتهم بالإصلاحيين والمعتدلين من أهل النظام. المشكلة في هذه النظرة ، أنه لا توجد معارضة داخل إيران ، والمنافسة التي تدور هي بين متشددين أو محافظين فيما بين بعضهم البعض .. إذ إن الطبقة السياسية الإيرانية تتكون ، في معظمها من محافظين متشددين جداً ومحافظين متشددين بنسبة أقل .. ولا يوجد إصلاحيون سوى على أطراف النظام مثل رافسنجاني وخاتمي .. وتقول إحدى الباحثات الأميركيات (لورا سيكور ) في كتاب أخير صدر لها بعنوان ( أطفال الجنة – الصراع من أجل روح إيران ) ، أن حتى حسن روحاني ، الرئيس الحالي ، ليس إصلاحياً حقيقياً فهو كان أميناً عاماً للمجلس الأعلى للأمن القومى ، وأنه هاجم الحركة الإصلاحية الطلابية عام 1999 ، حين خرجت المظاهرات ضد النظام ، وذكر حينها أنه من الملالي المتشددين وله ارتباط قوي بالأجهزة الأمنية .. ويشير الكتاب إلى أن الاعتقاد بإن التغيير السلمي التدريجي يمكنه أن يأتي من خلال النظام إنما هو مجرد وهم . الإدارة الأميركية الحالية تنتهي مهمتها بنهاية العام الميلادي الحالي . ولا تبدو في الأفق دلائل على أنها سوف تسعى إلى إيقاف روسيا وإيران والعصابات المذهبية التابعة لها عن قتل السوريين وتهجيرهم .. ولكننا نأمل أن يحدث ذلك، فلعل غير المتوقع من إدارة لا ترى ولا تسمع أن تحدث لها معجزة وتتحرك لإيقاف المأساة التي يعيشها السوريون وكذلك باقي العرب . adnanksalah@yahoo.com
مشاركة :