"فيلم شفتو".. سلسلة رمضانية من 30 حلقة، نطرح فيها ومن خلالها، قراءة انطباعية لأفلام سينمائية عالمية مختلفة، لنعيد تعريفها لقراء 2M.ma، وتقريبهم منها. كتب جي دوبور في كتابه "مجتمع الفرجة": "في العالم المقلوب واقعياً رأساً على عقب، يكون ما هو حقيقي وواقعي، لحظة مِن لحظات ما هو وهمي وزائف". "قلقة من كوني مجرد مجموعة برامج، ولست في حقيقة الأمر الشخصية التي أرى نفسي فيها"، هذا الحديث كان عتابا "سامناثا"، شابة عبارة عن نظام تشغيل، لـ"تيودور"، رجل انعزالي ووحيد، بعد تجربة زواج وحب فاشلة، انتهت بالطلاق. يقرر ثيودور شراء نظام التشغيل الجديد OS1 الذي صَدر حديثا، وتم الإعلان عنه كأذكى نظام تشغيل صناعي في العالم، سرعان ما يجد ثيودور نفسه منجذبً لسامانثا. يشتغل ثيودور كاتب رسائل لزبنائه، رجل متفان في عمله، يشتغل بحب وبشغف كبيرين، يكتب الرسائل بطريقة مدهشة، لدرجة يحررها بمشاعره العميقة. كما لو أنها تخصه، أو يكتبها لأحبته ولذويه. بعد الطلاق سيجد ثيودور نفسه في عزلة ووحدة قاتلتين، وسامنثا بالنسبة له، شخص عبارة عن نظام تشغيل، لن يكلفه جهدا في التعبير عما يحس به، ستعفيه من "كلفة" البوح والكشف عن مشاعره، واقتسام شخصيته المتوحدة معها، دون الحاجة إلى بذل جهد إنساني. هي تعرفه جيدا وتعرف كل احتياجاته، نفس الأمر بالنسبة إليه، جهاز يحمله في يده يمكن أن يطفئه متى يريد، ويعيد تشغيله متى يرغب في ذلك أيضا. هو حر الآن. مع توالي الأحداث، نكتشف أن سامانثا باعتبارها جهازا اصطناعيا، تبحث عن تطوير نفسها ضمن نظام الخوارزميات، هذا التطور تستمده مع كل تغير عاطفي يطرأ على البطل، لدرجة أنها تصبح أكثر تفهما لمشاعره. يطرح الفيلم سؤال الهوية الشخصية من منظورها الإنساني العميق، سامانثا بالرغم من كونها برنامج تشغيل ذكي، إلا أنها تسعى طوال علاقتها مع ثيودور إلى البحث لها عن هوية شخصية، هي قلقة من كونها مجرد مجموعة برامج ذكية، بينما يظهر لنا ثيودور، ذاك الشخص الذي لم يجد بعد تعريفا لشخصيته، فهو كما أسلفنا الذكر يعبّر عن مشاعر الآخرين بشكلٍ مثالي في خطاباته، بينما لا يمكنه التعبير عن نفسه، من يدري؛ ربما كان يعبر عن نفسه في تلك الرسائل التي كان يخطها بذاك العمق في التعبير. ارتبط ثيودور بسمانثا ارتباطا كبيرا، كانت بينهما علاقة حب فيها كل المشاعر، كانت في أذنه دوما، حديثا لا ينقطع، يحملها معه حتى حين يأوي إلى فراشه، حتى جنسيا كان في تواصل معها، بالنسبة لنا كمتلقين ليست إلا صوتا افتراضيا، ككل الأصوات المبرمجة لتقديم رسائل وتوجيهات تلقائية لمستعملي الأجهزة الذكية والتكنولوجية. يحق لنا أن نسأل: ثيودور خرج من علاقة إنسانية مادية وواقعية، كيف اقتنع بربط علاقة جياشة بمشاعر الحب مثل هاته، مع جهاز تشغيل وهو يعرف أنه كذلك؟ كيف تعمق في هذه العلاقة لدرجة أن انفعالاته كانت حقيقية وكأنه في علاقة مع "آدمية"؟. يقول علماء النفس: إنّ الشخص المفرط الحساسية، لديه حساسية متزايدة تجاه المنبهات الجسدية والعاطفية والاجتماعية، ولا يفضل الحشود والصخب أو الملابس غير المريحة، ويفضل البقاء في غرفة مظلمة ومريحة، كما أن الشخص مفرط الحساسية يتمتع بمشاعر قوية وأفكار عميقة. وأنا أحرر هذه الحلقة، أتساءل هل أنا شخص مفرط في حساسيته؟ أحب الغرفة المظلمة، ومشاعري قوية، على الأقل زوجتي حسناء ستؤكد هاتين المعلومتين. عندما غادرت سامانثا استفاق ثيودور من غرقه في "الافتراضية"، وبدأ يستعيد شخصيته ويتعرف إليها من جديد، أجمل ما حدث أنه كتب رسالة إلى طليقته يعتذر لها عن كل الأذى الذي سببه لها، ويخبرها أنها ستبقى صديقة طفولته للأبد. هل كان الحب سببا في عزلته واختياره هذه الوحدة القاسية؟. ربما نعم، هو الحب نفسه الذي دفعه إلى مخاطبة طليقته، في رسالة اعتذار صادقة. هذا الفيلم يجعلك تسأل: إلى أي درجة ستصل علاقتنا بالذكاء الاصطناعي الذي بدأ يحدث طفرات في حياتنا وفي علاقاتنا الإنسانية؟ عن الفيلم: فيلم خيال علمي ورومانسية إنتاجات 2013 من تأليف وإخراج سبايك جونز. من بطولة خواكين فينيكس، إيمي آدامز، روني مارا، أوليفيا وايلد وسكارليت جوهانسون. ترشح لخمس جوائز أوسكار، وفاز بجائزة أوسكار لأفضل سيناريو أصلي. الموسيقى أركايد فاير.
مشاركة :