د. عبدالله الغذامي يكتب: هل الجسد سجنٌ للروح؟

  • 4/1/2023
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

ينظر سقراط للجسد على أنه سجن الروح، والروح تتعذب بسبب صنيع الجسد وغلوائه المتصفة بالشهوات والرغبات التي هي من صنع الجسد ومن وظائفه، ومنها تأتي الأنانية والجشع وتأتي الحروب والعداوات والضغائن، بينما الروح تظل أسيرةً في قهر الجسد ومتطلباته غير السوية، وإذا غادرت الروح الجسد لحظةَ الموت، فإن هذه هي ساعة التحرر والانعتاق، وهذه صورة قاتمة لحال الجسد وصفته، وقد نرى للجسد ورغباته صوراً كثيرة في الواقع الاجتماعي، ومنها العبودية المجازية التي تتضح من قول المتنبي «وقيدت نفسي في هواك محبة»، وهذا قيد يتصل برغبات تكشف عنها سيرة المتنبي من متابعته للولاة ومديحهم مقابل المال والجاه، وربما الرغبة في الحصول على منصب، كما في تلميحاته لكافور «أبا المسك هل في الكأس شيء أناله ** فإني أغني منذ حين وتشربُ»، وأخطر من ذلك عبودية الإنسان لهواه كما في الآية الكريمة (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ...)، «سورة الجاثية، الآية 23»، وفي سير البشر نرى وقوع المرء لشروط رغباته ودواعي مصالحه المادية والإغرائية فبريق المال يغري وبريق الربح يغري لدرجة أن نظرية «الليبرالية الجديدة» ترى أن من شروط تحفيز السوق الحرة والاقتصاد الحر أن نترك للأنانية والجشع والطمع أن تتحرك بأعلى قوتها ولا يرون هذه عيوباً أخلاقية وإنما هي عندهم سبب لتحرك السوق وانتعاشه وتوالي مكاسبه، وإن ترتب عن ذلك خسارةُ بعض المتداولين وهنا لا تصح الشفقة ولا الرحمة على الخاسرين لأن السوق وحكمها الربحي وغايتها التكسبية هي الهدف، وليسقط من يسقط المهم أن تبلغ المركبة قمة الهرم ولا بد للرابحين من وجود خاسرين لكي تتحقق المكاسب، وهذه عبودية مطلقة لرأس المال حسب مفهوم الليبرالية الجديدة، وهي تأكيد على تصور سقراط وموقفه من الجسد واستعباده للروح بسبب جموح هوى النفوس البشرية التي تعلي الجسدية على الروحانية، والمكسب على الأخلاق، والغاية على الوسيلة، والقوي الجسور هو الذي يربح بمثل ما أن العدالة للأقوى، كما يحدد أفلاطون. وفي العلاقات العامة، سنرى صيغاً من النوع البسيط للعبودية، إذ تجري التنازلات حين الحاجة لبعض الناس لأسباب مصلحية، وهي تنازلات وقتية تنتهي بعد انتهاء المصلحة، وقد يحدث التعالي عليهم أو التنكر لهم إذا زال سبب التنازل، وهذه عبودية اختيارية وقتية سببها التمصلح الوقتي والسريع، وقد فعلها المتنبي مع كافور حيث تحول كافور من أبي المسك ليصبح الأسود المخصي، وهذه صيغةٌ تتكرر في العلاقات العامة بين صيغ التبجيل ثم صيغ الانتقام مع الشخص نفسه بين خنوع له وتمرد عليه، وهذه هي السيرة الجسدية كما تصورها سقراط ونعى حال البشر معها وكما تشيع في أنظمة العلاقات العامة.

مشاركة :