الأزمات الاقتصادية العابرة للحدود قبل 2006 كانت ترجع إلى أسباب متصلة بالاقتصاد الكلي العالمي ومشكلات أسواق التصدير وظروف التجارة وسوق العمل لكل دولة، وبعد 2008 تغيرت إلى حد بعيد من الناحية الهيكلية، وأصبح الاقتصاد الأمريكي يصدر الأزمات منفردا ودون حساب للاقتصاد الكلي للعالم أو ظروف الدول الاقتصادية أو الاجتماعية، وهذا ما دفع عددا من الدول الصاعدة إلى مواصلة الانفكاك الاقتصادي عبر محاولات متكررة لانتهاج أسلوب قطبي جديد لتخفيف ألم الصدمات التي يصدرها صناع السياسات الاقتصادية في الولايات المتحدة للعالم، وفتح مسارات جديدة تعطي فرصا أفضل للتجارة. الأقلمة واحدة من تلك التغيرات الزاحفة نحو السير في اتجاه نظام اقتصادي مثل مجموعتي بريكس وشنغهاي اللتين تقومان، أي: الدول المتكاتفة، على أساس تشكيل نظام تعاون تجاري وتبادل نقدي وطني واستثماري وفني من أجل التعاون وتحصين الاقتصادات من آثار وتبعات ألم الصدمات الاقتصادية التي يصدرها الاقتصاد الأمريكي، إضافة إلى زيادة فرصها في النمو والازدهار بعيدا عن سيطرة وتحكم النظام النقدي العالمي. ورغم تلك الجهود ليس واضحا أن هناك مسارا محددا يمكن تطبيقه والعمل عليه سيحقق نموا وازدهارا للعالم بمنهجية متوازنة يمكن الوثوق بها بعيدا عن النظام الاقتصادي القائم حاليا دون تعاون الجميع. الأزمات الحالية كشفت عن عيوب عميقة في النظام الاقتصادي القائم مثل الفجوة بين الدول، ولا سيما أن الهبوط المفاجئ في النمو الاقتصادي الذي تفجره الأزمات من عمق الاقتصاد الأمريكي، كان لها عواقب عكسية على تقلب أسعار الصرف وعلى إيرادات الحكومات وخسائر متكبدة من انهيار أسعار الأصول على القطاع الخاص، ولهذا قيام نظام اقتصادي عالمي عادل يتطلب خطوات عملية تهدف إلى تحقيق التوازن والتضامن بين الدول سياسيا واقتصاديا، أولا، تصميم نظام نقدي مالي عالمي جديد مضاد للأزمات المالية العابرة للحدود ويمنع هدر القيمة التي ينتجها الناس في جميع الدول، ويضمن في الوقت نفسه الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي. ثانيا، بناء منظومة تجارة حرة وعادلة مع تعزيز التعاون التجاري بين الجميع. ثالثا، يتعين تعزيز الشفافية في النظام الاقتصادي الجديد عبر وضع نواة بقائه الذاتية حتى بعد الحروب. رابعا، تحسين مستوى التعليم والصحة من خلال تحويل العبء التمويلي إلى النظام الاقتصادي وليس الناس، وتجارب اقتصادات دول شمال أوروبا مثال يستحق الانتشار عالميا. خامسا، تشجيع قيام نظام عالمي يشجع التكنولوجيا والابتكار، بهدف تحسين جودة الحياة ونقل عبء الأعمال الأولية إلى الآلات بدلا من البشر وتثقيف الناس حول النظام الاقتصادي العالمي وأثره في حياتهم اليومية. أخيرا، من المهم أن تتحرك الدول والمنظمات الدولية في هذا الاتجاه، لأن هناك حلولا مؤجلة والأزمات ضربت جميع أجزاء الاقتصاد العالمي بقسوة وعلى العالم السير في اتجاه نظام اقتصادي جديد، أو تجديد جزء منه دون ترك الأمور تتدهور وتصل بنا إلى المواجهات من أجل الاقتصاد والأسواق.
مشاركة :